الانتصار للحيوان

TT

راعيان للأغنام، الأول عربي خليجي والثاني أمريكي شمالي، لكل واحد منهما قصة وموقف.

وقد حدثني أحدهما قائلا: في سنة قديمة عندما كنا ذاهبين (للمقناص) والصيد في شمال الجزيرة في سيارتين، وكنت أركب في الأولى مع مجموعة من الرفاق، وتتبعنا السيارة الثانية وفيها مجموعة من المرافقين، ومررنا في طريقنا على بيت من الشعر لعائلة بدوية، وأخذ كلبهم ينبح ويطارد السيارة التي خلفنا، فما كان من رجل أحمق ضمن المجموعة إلاّ أن يصوب بندقيته ويردي الكلب قتيلا.

وبعد مدة توقفنا تحت ظلال شجرة نتناول غداءنا، وبينما كنا كذلك وإذا بنا نلمح جواداً يركض مُقبلا نحونا إلى أن توقف على بُعد عشرة أمتار ويمتطيه رجل عجوز، رحبنا به ودعوناه لتناول الطعام معنا، لكنه رفض وفوجئنا به يمد بندقيته علينا طالباً منا عدم التحرك، ثم صاح بنا قائلا: مَن هو الذي قتل كلبي، دعوه يخرج لي ويتقدم. فران علينا صمت ثقيل من شدة المفاجأة. كرر طلبه أكثر من ثلاث مرات ونحن تحت رحمته ولا من مجيب، لأننا لو أشرنا إلى قاتل كلبه فلا شك حتماً أنه سوف يطلق عليه الرصاص ويقتله، حاولنا إغراءه بشتى الوسائل إلى درجة أن أحدنا عرض عليه شراء سيارة بدلا من كلبه غير أنه رفض، كل هذا كان يجري ونحن جلوس لا نتحرك حسب تعليماته، وعندما يئس من الاهتداء إلى قاتل كلبه، ما كان منه إلاّ أن يلوي عنان وعنق جواده ويعود من حيث أتى دون أن يودعنا، وما زلت أذكر منظر دمعة سالت وهي تلمع تحت أشعة الشمس وتبلل صفحة خدّه الأشيب.

أما الثاني (الأمريكاني).. فقد كان يرعى قطيعاً من الأغنام، ويبدو أن المنطقة التي يرعى فيها غير بعيدة عن قاعدة طيران حربي.

وفي الصباح الباكر تنطلق الطائرات للتدريب، وتفاجأ المسكين أن أحد الطيارين الحمقى عندما شاهد القطيع أراد أن يرفّه عن نفسه ويتسلى باستعراض قدراته على الطيران المنخفض، وفعلا مرّ فوق القطيع بأعلى سرعته، وتشتت الخراف فزعة هاربة في كل اتجاه، وتطلب من الراعي مدّة يومين كاملين وهو يجمع شتاتها، وفي اليوم الثالث كرّر فعلته.

وبعدها بعدة أيام شاهد الراعي طائرته وهي قادمة من بعيد، وعرفها من أرقامها المكتوبة على ذيلها، وكان في هذه المرة مستعداً لها أتم الاستعداد، وما كادت تهبط مزمجرة فوق القطيع، إلاّ والراعي يصوب بندقيته ويطلق عليها أربع رصاصات، واختفت الطائرة عن نظره ولم تعد.

وفي ثاني يوم وإذا بمجموعة من السيارات عليها عدد من الضباط والجنود يتوقفون عنده متهمين إياه بإطلاق الرصاص على الطائرة مما تسبب في عطل جزئي بها مما أجبرها على الهبوط الاضطراري، وأروه صور الطائرة، وإذا بها آثار ثلاث طلقات، فقال لهم المزارع: نعم أنا الذي أطلقت الرصاص، لكن يؤسفني فقط أنني أخطأت بالرصاصة الرابعة، لكن تعالوا وانظروا، وأراهم أربع جثث لأغنام قد نفقت من شدة الخوف، وثلاث نعاج أجهضت مواليدها قبل الأوان، وختم كلامه قائلا لهم بكل جدية: لو كان بمقدوري أن أسقط الطائرة لأسقطتها.

عندما شاهد الطيار آثار فعلته، ما كان منه إلاّ أن يعتذر ويعترف أمام الجميع أنه قد خالف التعليمات بالطيران المنخفض أكثر من اللازم، بعدها عوقب الطيار على فعلته، وكوفئ الراعي بحصوله على شهادة شجاعة، وعوضوه عن خسائره.

[email protected]