صحيح فاقد الذوق لا يعطيه!

TT

كان أستاذي الذي يعلمني «علم الجمال» هو د. منصور باشا فهمي وكنت طالب الامتياز الوحيد في قسم الفلسفة وهذا الطالب يجب أن يكون حاصلا على 90% من كل الدرجات على الأقل وبعد ذلك تضاف إليه علوم أكثر من زملائه غير الممتازين. وكانت العلوم الثلاثة: هي علم الاجتماع العملي وكان أستاذي يونانيا هو د. بريسياني، ثم اللغة الألمانية وكانت أستاذتي هي فراو بروج وهي سويدية، ثم «علم الجمال» وكان أستاذي منصور باشا فهمي..

وقد بدأ الباشا أولى محاضراته بأن قال: لا بد أن تكون هناك علاقة بين علم الجمال والجمال «الإبل» عند العرب. فالعرب يرون في الإبل صفات جمال كثيرة فاذهب وابحث في المكتبة عن العلاقة بين الجمال بفتح الميم والجمال بكسر الميم.

وذهبت إلى أساتذة اللغة العبرية والسريانية. وكانت بداية صداقة بيني وبين الدكتور فؤاد حسنين الذي يعرف «17 لغة» قديمة وحديثة. ولاحظت أن د. منصور باشا فهمي ليس على إلمام كاف بعلم الجمال الذي درسناه فلسفيا وتاريخيا. فما أكثر ما كتب الفلاسفة هيجل وكروتشه وغيرهما من كبار أساتذة الفلسفة.. ورأيت أنه من الأفضل لنا نحن الاثنين أن أترجم كتاباً صغيراً في الفلسفة الجمالية. وكان الكتاب هو «الخلاصة في علم الجمال» لكاتب فرنسي اسمه لالو.. هذا الكتاب ترجمه ونشره الصديقان السوريان بديع الكسم وسامي الدروبي وأصبح هذا الكتاب هو النص الذي نقرأه كل يوم. ونقرأ الترجمة العربية ونضاهي بينها وبين الأصل الفرنسي. ثم لاحظت أن منصور باشا فهمي يأخذ من الترجمة مادة لأحاديث له في الإذاعة. والغريب أن يأخذ النص الذي ترجمته أنا دون الإشارة إلى الطالب الذي قام وحده بهذا العبء؟

وفي يوم سمعته يقول: غريب أن يقوم قليل الذوق بتعليم الناس معنى الذوق. كيف يعطي من لا يملك الذوق شيئاً من الذوق للآخرين.

وتوقفت عند هذه العبارة وقلت: صحيح كيف؟ فالباشا يحاضرني في غرفة ضيقة محكمة النوافذ والأبواب. والباشا يدخن البايب ويفسد جو الغرفة وأنا طالب صغير: أعطس وأسعل من أول الجلسة إلى آخرها ولم يلاحظ الباشا أنني لا أتحمل كل هذا الدخان. صحيح كيف يعطي الذوق من لا ذوق له؟ أما كيف فقد حدث سنة كاملة!