الدكتاتور لا يضحك

TT

قلما عرف عن الحكام الدكتاتوريين ميلهم إلى المزاح والتنكيت. لم أسمع عن صدام أي نكتة قالها. ورغم روحه المصرية وحرصه على الاطلاع على كل ما يقال من نكات عنه، فإنني لم أعرف عن عبد الناصر غير نكتة واحدة قالها عندما وقع على المعاهدة المصرية البريطانية واستعار منه أنطوني نتنغ قلمه ليوقع عليها ثم نسي فوضع القلم في جيبه فبادره عبد الناصر: «أنتم أيها الإنجليز أخذتم منا ما يكفي. أرجوك رجع لي قلمي!».

ومن مآثر هتلر في هذا الميدان أنه سمح بنشر كتاب يضم القفشات والرسوم الكاريكاتورية الساخرة التي وردت عنه. كان ذلك في الثلاثينات عندما كان منتصرا واثقا من نفسه. ولكنه خلال الحرب وبعد أن توالت الهزائم على جيشه فتزعزعت ثقته بنفسه وبنظامه، أصدر أمرا بإعدام كل من يروي نكتة عنه. تكلم غوبلز، وزير الدعاية، فاعتبر أي نكتة تقال عن هتلر خيانة عظمى لألمانيا.

الزعل من النكتة مؤشر على مركب النقص وعدم الثقة بالنفس. حدث مثل ذلك لستالين. ولكنه رغم كل ما سفكه من دماء فقد اشتهر بالمزاح وروي عنه الكثير من اللذعات البذيئة السوقية. وقع المسكين فلادمير نوسنكو، وزير الصناعات البحرية، هدفا لمزاحه. التقاه أثناء حملة الاعتقالات والإعدامات الكاسحة فبادره قائلا: «ما هذا ؟ لم يعتقلوك بعد؟». يقال إن نوسنكو قضى إثر ذلك عدة ليال من الأرق المستمر وهو ينتظر ذلك الطرق على الباب بعد منتصف الليل. مرت سنوات والتقاه ثانية أثناء الحرب، فعاد لمزحته القديمة، «بعدك طيب؟ لم يعدموك بعد؟».

مزحة ويا لها من مزحة! ولكن الزعيم السوفيتي ثمن صبر نوسنكو وجلادته وتحمله للنكتة تثمينا عاليا فيما بعد. فعندما انتصر في الحرب واحتفل القوم بالنصر، تكلم ستالين مع رفاقه فقال: «ما الذي حقق لنا هذا النصر حقا؟ هل هي تكنولوجيتنا الاشتراكية؟ هل هو حبنا لوطننا؟ هل هي مشاعرنا البروليتارية؟ نعم. هذه كلها ساهمت في النصر. ولكنني أعتقد أن ما ضمن لنا النصر حقا هو روح النكتة التي تمسكنا بها». ثم التفت ستالين إلى نونسكو وقال: «ألا توافقني يا رفيق نونسكو على ما أقول؟».

إنني وجدت كلمة ستالين في هذا الصدد من أروع ما سمعته عن روح الفكاهة والنكتة. إنها هي التي جاءت بذلك النصر الرهيب، وليس كل تلك الأسلحة والحشود. بيد أنه لم يستشهد بقول ماركس في نقد فلسفة هيغل: «كل نظام سياسي تاريخي ينتهي بالكوميديا!».

مزحة أخرى من الزعيم السوفيتي. شاهد مسرحية «أيام تربين» لبولكاكوف، ثم التقى ببطل المسرحية ليهنئه. سأله الممثل: «احتاج لعطلة أسترح بها. أنت أيها الرفيق من أهل الجنوب. أين تقترح أن اذهب؟»، أجابه: «اذهب إلى تورخانسك». كانت تورخانسك القرية المقفرة التي نفاه القيصر إليها. فعاد الممثل ليسأله: «إذن فلماذا هربت منها؟».

«الأكل لم يكن على ما يرام!!».

www.kishtainiat.blogspot.com