لا تعطني سمكة

TT

موضوع الصين يشغلني. فقد شاهدت افتتاح الدورة الأوليمبية مع مَن شاهد، وانبهرت مع المنبهرين. وأدهشني أن شركات الدعاية والإعلان اعترفت بسرعة بأن الصين قادمة. فقد شاهدت إعلانا عن مستحضر من مستحضرات العناية بالبشرة تروج له عارضة صينية. وما تبقى هو مسألة وقت قبل أن تصبح الملامح الصينية موضة تسعى نحوها جميلات العالم ويتبناها جراحو التجميل وتختفي مقولة إن الرجال يفضلون الشقراوات وتحل محلها جملة أخرى لا داعي لاقتراح مفرداتها لأن اللبيب يجب أن يفهم بالإشارة.

لم يعد ممكنا أن تزور محلا تجاريا في أية مدينة في العالم من دون أن تلتقط يدك سلعة مصنوعة في الصين. الصين غزت أسواق العالم بكافة أنواع المصنوعات بما في ذلك فوانيس رمضان وسجاجيد الصلاة وملابس الأطفال وحقائب اليد والأحذية. في السوبرماركت يبيعون تفاحا صينيا، وفي معارض السيارات يبيعون سيارات مصنوعة في الصين، وفي محلات الأدوات المنزلية اكتشفت أن أكواب الشاي الفخارية مصنوعة في الصين أيضا. والحق أقول، إنني الآن ارتجف خوفا من أن أصحو ذات صباح وانظر في المرآة فيطل منها وجه غير وجهي عليه بطاقة تقول: صنع في الصين!.

الصين تعمل بهدوء ودأب ومثابرة وتخطيط. فهل يلومها أحد؟

والأمثلة كثيرة. ولعل آخرها كان المستوى الذي خرجت به دورة الألعاب الاوليمبية وكأنه إعلان عن مولد قطب جديد لم يشهد له التاريخ مثيلا. المثل الصيني يقول «لا تعطني سمكة، بل علمني كيف اصطاد السمك». فليتنا نتعلم من الصين بدلا من أن نشتري منها.

الصين تخطط للمستقبل بقوة. وأليكم هذا المثل. في ظل أزمة الغذاء في العالم اتجهت الصين إلى زراعة البطاطس بحيث وصل إنتاجها من البطاطس ضعف ما تنتجه الولايات المتحدة، وقريبا يصبح ما تصدره من البطاطس إلى كافة دول العالم بديلا للحبوب التي تراجعت محاصيلها، إما بسبب أحوال الطقس، أو ارتفاع تكلفة زراعتها، أو زيادة عدد الجياع في الدول النامية.

حتى كتابة هذه السطور ما زالت البطاطس المصرية من أجود أنواع البطاطس في العالم. وفي بلد الـ80 مليونا يمكن أن يكون محصول البطاطس بديلا غنيا لمحصول الأرز لأنه محصول ينمو بسرعة اكبر ويحتاج رقعة اصغر من الأرض الزراعية وكميات اقل من مياه الري. البطاطس مغذية لأنها غنية بالكاربوهيدرات المركبة وبعض البروتينات والفيتامينات. حبة واحدة متوسطة الحجم من دون تقشير تحتوي على احتياجات الفرد من فيتامين «ج»، وتحتوي على قدر من مجموعة فيتامين «ب»، إضافة إلى خلوها من المواد الدهنية. يمكن أن نتعلم أن حبة البطاطس هي بديل جيد لصحن الأرز أو لرغيف الخبز ويمكن أن نحقق اكتفاء ذاتيا. لكن في ظل ما حدث وما يحدث للمحاصيل المصرية الأخرى أخشى على حبة البطاطس المتواضعة أن تختفي وتحل محلها سلالات صينية أو هندية معدلة جينيا ومغلفة بالمبيدات وتختفي البذور الأصلية وتستورد بذور بديلة من مصادر جديدة بحيث يصبح قرار إنتاج المحصول مرهونا بتوفر البذرة المستوردة بثمن تحدده الجهة المصدرة وفقا لنواياها نحو الجهة المستوردة.

حين قال بنو إسرائيل لموسى، يا موسى ادعُ لنا ربك يُخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، قيل لهم اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم. لكن بني إسرائيل اليوم يصدرون البذور إلى مصر.. والهند والصين في الطريق!.