من أرادت السلامة.. فلتبتعد عن طريقي

TT

هل جرب أحدكم أن يعشق من مجرد السماع؟!

أكيد سوف يجيبني البعض منكم قائلين: طبعاً ثم يرددون شطر بيت الشعر الشهير إن «الأذن تعشق قبل العين أحياناً» وهذا كلام معروف وبارد.

غير أنني ولا فخر ـ واللهم لا حسد ـ أعشق بأذني وعيني وأنفي ولولا الخشية من المبالغة لقلت لكم: وبقدمي كذلك، وهذه من مزاياي الخصوصية التي فطرت عليها.

وأرجوكم لا تظنوا أنني أمزح أو أهذر أو (أتريق)، لا والله أبداً، فقد خلقني ربي هكذا (حبيِّب) حتى نخاع النخاع ـ مع أنني أكره هذه الكلمة ولا أستسيغها ـ.

والغريب أنه رغم هذه (الحبابة الجارفة) فلدي بالمقابل منها (كراهية أيضاً جارفة) تعادلها بالمقدار وبالحرارة.. ومعنى ذلك أنني في النهاية أصفى على صفحة رمادية ـ أي لا غالب ولا مغلوب ـ.

لا أريد اليوم أن أحدثكم عن كراهياتي التي ليس لها حدود للكثير من الأمور، فهذه تستحق (مجلدات) وليس هذا وقتها.

ولكنني أريد أن أحدثكم عن عشق صغير من الآلاف المؤلفة من تجاربي العشائقية ـ إن صح التعبير ـ.

فقد قرأت وعشقت من أول وهلة أميرة مصرية فرعونية يقال لها: (انتيو ـ ني) وقد ولدت قبل ثلاثة آلاف عام.

وعشقي لتلك الأميرة يدل لكم دلالة قاطعة على أنني لا أوفر لا نساء الماضي ولا الحاضر ولو كان الأمر بيدي لما وفرت كذلك نساء المستقبل.

ولكن لا يلتبس الأمر على البعض وتذهب به الظنون بعيداً، لا بد وأن أوضح أن ذلك العشق إنما هو بريء لا تداخله أي خطيئة، ولا تعتوره أية غرائز، وإنما هو عشق ناصع كالثوب الأبيض الخالي من أي دنس.

أعود (لأميرتي) التي عرفت عنها في كتاب الموتى الخاص بها، وهو وثيقة طويلة كتبت على ورق (البردي) ووجدت ملفوفة في صندوق خشبي صنع على هيئة تمثال (اوزيريس) الذي يقال إنه يحكم عالم الموتى، وطول هذه الوثيقة أكثر من خمسة أمتار ونصف المتر.

وكشفت ورقة البردي عن صور تلك الأميرة وعلى رأسها باقة من الزهور، وفي يدها آلة موسيقية مذهبة تعزف عليها، وأمامها موقد من النحاس يتصاعد منه البخور المعطر، وكانت تبدو رشيقة جميلة، وتقول لمن يحاسبها: إنها غير مذنبة، ولم تتسبب في مصرع أي شخص، ولم ترتكب كبائر المعاصي، ولكي يتأكد من يحاكمها على صدقها وضع قلبها في كفة ميزان، ووضع ريشة في الكفة الأخرى، فثبت صدقها، فأشرقت في وجهها الشمس، ومكافأة لها رسموها وهي تقود قطيعا من الأبقار البيضاء، وصورة أخرى وهي تحصد حقلا زاهيا بمنجل من الذهب، وصورة ثالثة وهي تجلس في زورق أخضر في بحيرة زرقاء.

وكانت صدمتي الفاجعة عندما عرفت أن أميرتي (انتيو ـ ني) ما هي إلاّ عجوز قصيرة بدينة بصورة غير عادية.

ومع ذلك ما زلت أعشقها، لأنني بصراحة آكل الأخضر واليابس، ولا أوفر أي شيء، ومن أرادت السلامة فلتبتعد عن طريقي.

[email protected]