أسطورة الطفولة السعيدة (1 ـ 2)

TT

في اجتماع للأصدقاء راجعنا أحداث ماضينا. وتوقفنا جميعاً عند شخصية لا يمكن نسيانها.. وتساءلنا إن كان هذا الشخص أو هذا الشاب حقيقة أو خرافة وقد تناولت هذه الشخصية طويلا في كتاب لي عنوانه «عاشوا في حياتي» وهذه الشخصية اسمها: الشيخ دهليز. ولم يكن شيخاً ولكنه هو الذي اختار هذا الاسم وكان يكبرنا بأربع سنوات وكنا تلامذة صغاراً. ولم نسأله لماذا اختار دهليز. لم يقل ولكنه كان يضحك على أي شيء.

ولا نعرف كيف ظهر هذا الشاب ولا من أين جاء. وما اسمه الحقيقي. وكيف التقينا وكيف ارتبطنا به رباطاً لا فكاك منه فكنا نمشي وراءه عميانا. يقول: غداً عند فلان مساء وفي الغد نذهب إلى فلان الذي لا نعرفه. ونمضي ليلة من الغناء والطرب والرقص والشعر الفكاهي والغنائي. هو الذي يقول الشعر ويمسخه ويجعله مضحكاً. كيف؟ هذه موهبته. فقد كانت له قدرة فذة على الإقناع..

ومن الشيخ دهليز تعلمنا «الليل»؛ فالليل عندنا كان بلا معنى. أو معناه نهاية النهار وأن نذاكر قليلا ونأوي إلى الفراش. كل يوم وكل سنة. ولكن مع الشيخ دهليز كنا نمشي وراءه هو يغني ونحن نرد عليه. وإذا سألنا أحد قلنا: نذاكر أنه أستاذ متطوع جاء من أسوان إلى أن فوجئت أمي بسيدة ذات ألوان في وجهها وملابسها وتمشي تترقص وواضح أنها راقصة. وإذا بها تمسكني من ثوبي وتقول: إزيك يا واد يا حليوة أنت.. أمال مين بيعلمك؟

لا أعرف أن الأرض سريعة الدوران وإنها دارت ودارت وأسقطتني على الأرض وأنني في المستشفى. وبعد يومين سألتني أمي: من كانت هذه؟ فقلت لها: أم الشيخ دهليز. وتسأل: ومن دهليز.. وقلت ما استطعت أن أفبركه من الكلمات التي جاءت على البال..

بعد خمسين عاماً من تلك الأيام جلسنا نروي حكايات وخرافات عن الشيخ دهليز وتساءلنا: إن كان شخصاً حقيقيا أو وهما أو عفريتا بجسد بشر.. وتساءلنا: كيف انتهت هذه العلاقة أو كيف اختفى حتى لو كان وهماً فهو وهــم قوي حقيقي كان له عظــيم الأثر في حياتنا نحن الصـغار.. كان أقـوى من ألف ليلة ومن جيلفـر وهاري بوتر!