مواسم!

TT

غير معروف تحديدا متى بدأت علاقة رمضان بالتلفزيون وإن كان على الأرجح أن التلفزيون المصري في فترة السبعينات تحديدا من القرن المنصرم هو الذي ربط فكرة برنامج «الفوازير» بشهر رمضان المبارك، وبعد ذلك حدث التحول الكبير ليصبح رمضان هو «موسم» المسلسلات الدرامية والكوميدية بامتياز، وأطلق على هذا النوع من الإنتاج: المسلسلات الرمضانية، وطبعا نظير الكم الهائل من الصرف الإنتاجي خلال هذه الفترة بات شهر رمضان هو الموسم الإعلاني الأهم على مدار السنة بالنسبة للمعلنين وللمنتجات وللشركات المستقبلة للإعلان من وكالات دعاية ومحطات تلفزيون، ولحق هذا بناء حالة عامة للشهر ليتحول إلى الفترة الاستهلاكية الأهم في السنة كلها، وعليه بات من «الطبيعي» و«المتوقع» أن تقدم العروض الخاصة والمنتجات الجذابة خلاله. من المضحك جدا أن الشهر الذي خصص للصوم ولتهذيب الشهوات والغرائز وتقدير نعمة الطعام، يصبح أكثر استهلاكا وبالتالي هدرا للمواد الغذائية بمختلف أنواعها، حتى أن إحدى شركات إنتاج العصائر المعروفة والتي ارتبط اسمها بالشهر الكريم تبيع أكثر من 80% من إنتاجها خلال شهر رمضان فقط! ميزان غريب ومنطق أعوج ومقلوب يبدو سيد الحال حين النظر إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة العربية وتداعيات العوز والفقر المنتشرة فيها بسبب سوء التخطيط والإهمال، وطبعا بالإضافة لعوامل اقتصادية بحتة مثل التضخم ونضوب بعض الموارد. معدلات الإنفاق للأسرة العربية الواحدة خلال شهر رمضان ترتفع من 30 إلى 300% في بعض الحالات مقارنة بالشهور الأخرى وهذا خراب ودمار سريع. مسألة استغلال «المواسم» عموما والمناسبات الدينية تحديدا منها لصالح النهج الاستهلاكي وثقافة السوق الرأسمالي، فأعياد الميلاد المسيحية وروشاشانة مناسبة العام الجديد لليهود ورأس السنة الصينية الجديدة كلها شواهد واضحة، ولكن الفرق بين هذه المناسبات وشهر رمضان أن جميعها مدتها يوم واحد وليس كشهر رمضان الذي يمتد 30 يوما، حتى مع الأخذ في الاعتبار أن الفترة الاستهلاكية لأعياد الميلاد المسيحية تبدأ قبل شهر ديسمبر بفترة ليست بالقصيرة. تكثيف الاستهلاك في فترة واحدة فيه عبء ليس بالقليل على كاهل الأسرة، وهو يتحول تدريجيا إلى مصيدة شراكها تحيط بالواقع فيها من كل جانب. فالذي «قرر» أن الكنافة والقطايف والتمور ومشروب قمر الدين والعرقسوس والتمر الهندي والسوبيا وشوربة الحب والجلاليب النسائية والمكسرات أنها جميعا منتجات رمضانية بصورة أساسية وأحيانا بصورة حصرية، يبدو أنه هو أيضا الذي قرر أن المسلسلات والإعلانات المكثفة هما أيضا منتجات رمضانية. هناك ضرر واضح يلحق بالأسر خلال فترة شهر رمضان جراء الصرف المبالغ فيه (مع عدم إغفال أن هذه الفترة هي نفسها التي تشهد أكبر إنفاق لأوجه الخير والإحسان على مدار العام كله)، ولكن التعامل مع هذه المسألة بأن هناك توجها تآمريا ضد العرب والمسلمين بإلهائهم عن مبادئهم وفرائضهم هو تفسير ناقص بل حتى مضحك لمسألة اقتصادية بحتة مرتبطة بقانون الاقتصاد الأول: العرض والطلب؛ فلو لم يكن هناك «زبون» لبارت السلع والبضائع لأن حمى الإنتاج الرمضاني المخصص لم تعد متعلقة بالمحطات الفضائية المتنوعة، ولكنها طالت أيضا المحطات الدينية التي لها أيضا برامجها ونجومها وحملاتها الدعائية.. وكل عام وأنتم بخير.

[email protected]