«خسيس» و«جبان».. ممتاز

TT

شنَّت الجماعة الإسلامية المصرية انتقادات شديدة اللهجة ضد الجماعات التي تنتهج العنف ضد الدولة في الجزائر، والمقصود طبعا تنظيم القاعدة الإرهابي، وذلك في أعقاب هجوم انتحاري استهدف مدرسة لتدريب ملتحقين بالشرطة في ولاية بومرداس بمنطقة القبائل بالجزائر، والذي خلَّف عشرات القتلى والجرحى.

الجماعة الإسلامية المصرية وصفت منفذ هجوم بومرداس بـ«الانتحاري»، وهي أول مرة تستخدم فيها هذا التعبير، بل قالت إن «من يقوم بمثل هذه التفجيرات خسيس جبان». كما أن الجماعة الإسلامية المصرية قالت في بيانها إن حديث الناس عن الإسلاميين ودعوتهم وتاريخهم في الجزائر أصبح «مقرونا وممزوجا بالحزن الذي أدخلوه كل بيت في الجزائر».

وأضافت أن «الشجاعة والبطولة والإقدام والجرأة ليست في قتل الناس غيلة وغدرا، فهذه أساليب الصغار.. إن هذه التفجيرات لا يقوم بها إلا خسيس جبان».

بالطبع بيان الجماعة الإسلامية مهم جدا، ليس لأنه رفض العمل الانتحاري، ولكن لأنه شرع في الحط من قيمة الانتحاريين، وتصوير أعمالهم على أنها تصرف «خسيس» و«جبان» وهذا أمر لا يقل أهمية عن فتاوى تحريم العمليات الانتحارية التي لطخت سمعة الدين الإسلامي.

الإشكالية دائما ليس بالفتاوى التي تجيز الأعمال الانتحارية، أو التي لا تجيزها، بل في الصورة التراكمية التي تشكلت على مدى أعوام طويلة، ومنذ الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وما تبعها من أعمال انتحارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

منحت العمليات الانتحارية صورة بطولية، على المستوى الشعبي، وحتى على مستوى المثقفين العرب، كيف لا والزهد بالروح يمثل عملا جبارا لا يوازيه عمل، ولكن من دون السؤال عن ماذا ولماذا يقدم الشاب، أو الشابة، نفسه، ومن يقتل، وما هي النتيجة؟

أيام الغزو السوفياتي لأفغانستان كنا طلابا في الثانوية، وأذكر كيف كان بعض أصدقائنا يحاولون إقناعنا صباح مساء بعد عودتهم من أفغانستان بما رأوه من أعمال بطولية، حيث كانت أحاديثهم أسطورية وأقرب إلى الخيال، ولكنهم نجحوا في إقناع أصدقاء لنا، وزفوهم إلى الجحيم.

هذه الأحاديث الأسطورية والهالة التي نسجت على مدى أعوام للعمل الانتحاري لا يمكن أن تلغى بفتوى دينية، فقبل أحداث سبتمبر الإرهابية، مثلا، وعندما أفتى مفتي السعودية بعدم جواز العمليات الانتحارية قامت الدنيا ولم تقعد في العالم العربي، ومن قبل مشايخ كبار، لكن اليوم باتت الفتاوى كثيرة ضد الأعمال الانتحارية، وعلى رغم ذلك ما زالت مستمرة.

ما زلنا نراها في العراق، على مستوى رجال ونساء، مغرر بهم نعم، ولكن كثيرا منهم يقومون بها على أنها أعمال بطولية، والأمر نفسه في الجزائر وباكستان، حيث تبدو المسألة في وحشيتها أبشع من باقي الدول العربية.

ومن هنا فإن ما هو أهم من الفتاوى بعدم جواز العمليات الانتحارية، تحطيم الصورة التي بنيت على مدى عقود من تصوير العمليات الانتحارية على أنها بطولة، وأمضى سلاح لمواجهة «العدو»، وللأسف أن العدو أصبح دولنا ومجتمعاتنا.

وعليه فإن تصريح الجماعة الإسلامية المصرية حول انتحاري الجزائر ووصف العمل على أنه تصرف «خسيس» و«جبان» يعد مهما في تحطيم صورة خاطئة تكونت على مدى عقود، وكلنا ندفع ثمنها، وخصوصا سمعة ديننا.

[email protected]