مذكرات رجل صادق ودقيق

TT

كان فؤاد بطرس وزيرا للخارجية خلال عهد الرئيس الراحل الياس سركيس وإحدى العلامات الفارقة في الحكومات اللبنانية، لم يمكن رشقه بتهمة، ولا حتى بإشاعة، في أسوأ ساعات الفساد وأحلك ساعات الحرب. ولذلك تتخذ مذكراته، بالنسبة إليّ، أهمية خاصة. لن يكون هناك شك في مدى صدقيتها ودقتها. ويرسم فؤاد بطرس صورة معتمة من حياة وطن معذب وملعون، خصوصا لعنة أهله ونوازعهم وانتماءاتهم الخارجية ولعابهم السريع السيلان أمام المال والسلطة والجاه.

يروي أنه عارض بشدة وصول بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية، لأن ذلك كان يعني الإخلال بالتوازن الداخلي وربط لبنان بإسرائيل. ويقول إن أكثر من عمل ضد رئاسة بشير، ولكن لأسباب شخصية، كان شقيقه أمين. وعندما وصل أمين الجميل إلى الرئاسة أخرج بطرس من حقيبة الخارجية، «لأنه أراد أن يعطيها لرجل مجهول في السياسة، بحيث يستطيع أن يفرض عليه سياسته» وهكذا أعطاها إلى الدكتور إيلي سالم عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة الأميركية.

حاول فؤاد بطرس إقناع الرئيس الياس سركيس بمعارضة وصول بشير الجميل. وحاول إقناعه بالتمديد ولو عامين. لكن سركيس قال له: لن أبقى لحظة واحدة بعد المدة الدستورية.

يروي بطرس أن الدول العربية اتخذت مواقف غامضة من الحرب اللبنانية لأن معظمها كان يدعم المقاومة الفلسطينية أو يخشاها. وقال إن عددا من الزعماء غاب عن قمة فاس، برغم أن الشرط القانوني كان أن يمثل كل متغيب بمن هو دونه مباشرة. وأعرب الحسن الثاني عن امتعاضه من مستوى الحضور، فقال له عبد الحليم خدام وكان وزيرا للخارجية «هل تريدني أن اخرج؟» فرد الملك قائلا: «أبواب المؤتمر مفتوحة للخروج وكذلك أبواب المطار. نحن لا نرغم أحدا على البقاء ولا نمنع أحدا من المغادرة». وحاول عرفات أن يحدد سير المؤتمر فقال الحسن: «أنا لا أقبل دروسا منك ولا من أحد»، فاعتذر عرفات قائلا إنه لا يقصد ذلك.

ويروي بطرس أن لبنان قرر أن يقطع علاقته بأميركا عندما استخدمت الفيتو ضده لصالح إسرائيل، لكنه اعترض على ذلك قائلا: إذا فقدنا الصلة بأميركا فمن يضغط على إسرائيل التي تحتل أرضنا؟ وقال إنه عندما وصل شارون إلى بعبدا رفض القاضي موريس خدام في سراي بعبدا أن يستقبله، وطلب الرئيس سركيس فورا ليخبره بما حدث. مذكرات ثرية.