هات وخذ!

TT

الفكاهة تعكس حياة الأمة وبالتالي نراها في عالمنا العربي تعكس شيوع الفساد والرشوة والمحسوبية. ومنها ما ورد في أمثالنا الشعبية. ارشوا تشفوا، والبرطيل شيخ كبير، واللي ما ياخذوش الحاكم ياخده الموت، وهلمجرا.

قالوا إن موظفا سقط في النهر ولم يكن قادرا على السباحة. هرع لنجدته أحد الواقفين على الشاطئ. مد يده إليه وقال له «هات يدك!» ولكن الغريق لم يستجب وراح يطمس في الماء فقال المتفرجون للمنقذ: «هذا موظف. لا تقل له هات يدك! قل له خذ يدي!».

اشتهر الولاة العثمانيون بصورة خاصة بالفساد والارتشاء حتى اعتقد البعض أن ابتلاءنا بظاهرة الفساد قد ورثناها من حكمهم. بيد أن تراثنا العربي يشير إلى امتداد أبعد من ذلك، فهو مليء بالحكايات والتعليقات في هذا الخصوص. من أطرفها ما كتبه بديع الزمان الهمذاني في شكواه من أحد القضاة. قال:

«قبحه الله تعالى من حاكم، لا شاهد أعدل عنده من السلة والجام، يدلي بهما إلى الحكام، ولا مزكي أصدق لديه من الصفر (الدنانير الذهبية) ترقص على الظفر، ولا وثيقة أحب إليه من غمزات الخصوم على الكيس المختوم، ولا وكيل أوقع بوفاقه من خبيئة الذيل وحمّال الليل، وكفيل أعز عليه من المنديل والطبق، في وقتي الغسق والفلق، ولا حكومة أبغض إليه من حكومة المجلس ولا خصومة أوحش لديه من خصومة المفلس...».

وانبرى الشعراء في السخرية من المرتشين. قال أحدهم في وصف أحد القضاة:

قاض إذا انفصل الخصمان ردهما

إلى جدال بحكم غير منفصل

يبدي الزهادة في الدنيا وزخرفها

جهرا ويقبل سرا بعرة الجمل

ومن طرائف ما ورد بحق موظفي الدولة، كان ما قاله فيهم البوصيري:

نقدت طوائف المستخدمينا

فلم أر فيهم أحدا أمينا

فقد عاشرتهم ولبثت فيهم

مع التجريب من عمري سنينا

فكم سرقوا الغلال وما عرفنا

بهم فكأنما سرقوا العيونا

ولولا ذاك ما لبسوا حريرا

ولا شربوا خمور الاندرينا

www.kishtainiat.blogspot.com