حادثة المروحية ستتكرر

TT

يعتقد أنصار حزب الله أن مؤسسة ضخمة كهذه، بعسكرها وأسلحتها وانتشارها، يمكن ان تمارس حياتها «العادية» ببيان تبرير أو أسف يتجاوز كل حادث في حينه. الحقيقة انها مهمة صعبة ان يستمر الحزب في إسكات الناس القلقة والغاضبة، التي صارت صورته مثل جيش محتل، وما حادثة التلة واستهداف المروحية وقتل الضابط العسكري إلا معركة واحدة من سلسلة طويلة.

حتى عندما كانت اسرائيل تحتل ثلث لبنان كان هناك معارضون لوجود حزب الله، بدعوى ان المواجهة واجب الجيش، فإن كان ضعيفا فليقوى. لكن كانت للحزب في تلك الايام شعبية بمحاربته الاحتلال. لذا سكت المتشككون في «حق» الحزب في المقاومة، في بلد لكل مواطنيه الحق ان يرتابوا في كل الميلشيات بعد نحو عشرين عاما تقاتلت الميلشيات في حرب أهلية.

يوم خرجت اسرائيل من لبنان سقطت حجة الحزب الوحيدة في التسلح. زاد الشك لأن سلاحه لم ينقص بل صار اكثر بعد انسحاب العدو. فقد تمسك الحزب بقشة صغيرة اسمها مزارع شبعا، لا تزيد مساحتها اي نزاع حدودي بين معظم دول العالم المتصالحة. كما انها ارض يعتبرها السوريون لهم لكن يفضلون تركها مؤقتا للبنانيين ليقوموا بدور المواجهة، والمحافظة على دور لبنان كمنطقة عازلة مع العدو.

مع هذا لا يكلف الحزب نفسه ليبرر كيف تستحق شبعا الصغيرة ميلشياته الضخمة. ليست فقط اكبر من جيش دولة لبنان، واعظم تسليحا منه، بل تفوق اربع مرات حجم جيش جمهورية جورجيا التي هي في نزاع مسلح اليوم مع روسيا. رقم هائل من شباب جاهز للقتال، وعتاد مستمر، واموال هائلة لإبقائه جاهزا. ميلشيا تابعة لحزب منخرط في صراعات سياسية مع اكثر من نصف الشعب اللبناني.

التفاصيل غير مهمة لأن المبدأ خاطئ أصلا. ايران، او أي دولة يعتبرها حزب الله النموذج، لا تسمح بوجود ميلشيا مستقلة كحزب الله، رغم كثرة الأقليات والطوائف فيها. ولا توجد أي دولة مستقلة في العالم، غير لبنان، تسكت على ميلشيات مسلحة اكبر من جيشها، بسلطة قتال، ومناطق مستقلة.

لهذا يخطئ منظرو الحزب اذا كانوا يعتقدون انهم يستطيعون الحفاظ على جيشهم، وسكوت اغلبية السكان. سكوت ينجب الآن ولادة ميلشيات منافسة تقول إن حزب الله يستهدفها، بدليل انه احتل بيروت الغربية في ربيع هذا العام، خطوة كانت فاضحة لكل ما كان ينكره.

وعندما اطلق افراد حزب الله النار على هليكوبتر الجيش وقتلوا ضابطها، كانت مجرد حادثة متوقعة وطبيعية، بوجود جيشين يتنازعان على نفس الارض والفضاء. وستتكرر الحوادث لان مقومات طبخة الصدام حقيقية، بالاستنفار، والتداخل الجغرافي والسكاني، والتوتر السياسي في بلد أصلا صغير المساحة. ستتكرر بصور مختلفة، مرة مع الجيش ومرة مع الامن، ومرة مع ميلشيات اخرى، ورابعة مع مواطنين، وخامسة مع اجانب. حزب الله دولة في داخل دولة، تجرأ واعتقل صحافيا فرنسيا، وقبل ايام اعتقل وطرد من البلاد صحافيين برازيليين. ورغم تكرر الفضيحة كظم الجميع غيظهم، فماكينة الحزب الدعائية تتهم من يخالفه بالعمالة. ثم وقعت حادثة الهليكوبتر، لم تكن حادثة بل اعتبرت جريمة لان الضابط قتل عمدا على الارض. الآن يمكن ان نقول صار سلاح الحزب هو المشكلة في عيون اكثرية اللبنانيين، لا الاكثرية السياسية، او العرب البعيدين فقط، او قرار مجلس الامن.

[email protected]