أولوية تاريخية

TT

الانتخابات الأمريكية دخلت مرحلة ساخنة جدا وهي تقترب من موعد نهايتها في شهر نوفمبر المقبل، الملتقى الديمقراطي الانتخابي ختم مهرجانه الكبير في مدينة دنفر بسلسلة مهمة من الخطب الحماسية لرموز الحزب الديمقراطي، وكان مسك الختام خطابا مبهرا وأخاذا للمرشح الرسمي للحزب باراك أوباما الذي أدلى بكلمة بالغة الدلالة شرح فيها خطته ورؤيته وسياساته بعد ليلة ومشهد تاريخي شوهد فيها الإعلان عن الترشيح الرسمي لأول أفريقي أمريكي من حزب رئيسي لمنصب رئاسة الجمهورية. وفي اليوم الذي تلا ختام مهرجان الحزب الديمقراطي قام السيناتور جون ماكين بالإعلان عن اختيار مرشحته لنائب الرئيس حاكمة ولاية ألاسكا سارة بالين وهي مجهولة للعامة في أمريكا إضافة لصغر سنها (44 عاما فقط) وهي المسألة التي تعني أنها قليلة الخبرة أمام تحديات المنصب الهائلة مع عدم إغفال أن جون ماكين في حالة فوزه بسباق الرئاسة الأمريكي سيكون أكبر رئيس أمريكي في التاريخ (71 سنة) ما يعني أن شخصية نائب الرئيس يجب أن تكون حقيقة مؤهلة لهذا المنصب. ففرضية وفاة ماكين وهو في الحكم لكبر سنه من الجانب النظري على أقل تقدير واردة جدا. ومع كثرة الحديث عن التحديات المختلفة التي تواجه أوباما وماكين، وهي تحديات إلى حد كبير تعتبر تقليدية، مثل الحرب على العراق والبطالة والتضخم وأزمة الرهن العقاري وارتفاع أسعار النفط والتأمين الصحي واختفاء الوظائف للصين والمكسيك والهند، ومستوى التعليم والبنية التحتية للمدن الأمريكية والتعامل مع الكوارث الطبيعية الكبرى والإجهاض والسلاح وزواج المثليين، لكن شيئا ما يتكون في هذه الانتخابات تحديدا، إذ بات فيها الشأن الاجتماعي هو الأهم. فالجميع في أمريكا لا يزال يعتبر أن هذه الانتخابات هي صراع على «أولوية تاريخية»؛ فالحزب الديمقراطي يراهن على حالة الرغبة الجارفة في التغيير والنقمة الشعبية الكبيرة ضد الإدارة الحالية بسبب إخفاقاتها المذهلة في الحرب بالعراق ومواجهة آثار إعصار كاترينا المدمر وأزمة الرهن العقاري الاقتصادية الخطيرة وغيرها من الأمثلة المعروفة. أمريكا على موعد واضح مع التاريخ، هذه مسألة لا جدال فيها، فحزب رشح أول أفريقي أمريكي رئيسا للبلاد وحزب آخر يتبنى نهج المرأة لتكون في منصب نائب الرئيس، قد يكون الشأن الاجتماعي هو الفيصل في هذه الانتخابات (مذكرا بنفس المسألة التي طرحت في الستينات الميلادية من القرن الماضي حين تم ترشيح الرئيس جون كيندي كأول مرشح من الطائفة الكاثوليكية). وأمريكا تستعد لتغيير تتشوق إليه بعد إخفاقات أسوأ إدارة عرفتها، واستطلاعات الرأي بدأت توضح أن الفجوة تتسع ما بين ماكين وأوباما لصالح الأخير (حتى الطبيعة نفسها تتحد مع أوباما، فإعصار جوستاف الذي حل على ولاية لويزيانا ساهم في إلغاء الكثير من فقرات المؤتمر الانتخابي للحزب الجمهوري). المائة يوم القادمة ستكون فيها الإثارة والترقب اللذان تستحقهما انتخابات تاريخية من هذا النوع. البيت الأبيض بني في عهد الرئيس الأمريكي آدامز وبناه العبيد الزنوج وقتها، وفي نوفمبر من الممكن أن يتم انتخاب أول أمريكي من أصول افريقية إذا تخلت أمريكا عن إرثها العنصري تماما. وهذا لو حدث سيكون سر عظمة أمريكا ونجاحها.

[email protected]