شهر رمضان وحديث متجدد: بالرؤية أم بالفلكي؟

TT

مسألة إثبات هلال الشهور القمرية أو الهجرية، تعد من المسائل المهمة التي تنال اهتمام المسلمين وتشغل بال الفقهاء والعلماء، ومع كثرة المؤتمرات والندوات التي عقدت حولها، إلا أن الحديث ما زال يتجدد وبخاصة مع اقتراب المناسبات الدينية وخصوصاً مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، وهناك حالياً فريقان حول هذه المسألة، فريق يقول بالرؤية الشرعية البصرية، والفريق الآخر يقول بالأخذ بالحسابات الفلكية، وكلا الفريقين صادق وجاد في سبيل إثبات هلال دقيق وأكيد يحدد دخول وخروج الشهر القمري.

فالفريق القائل بالرؤية الشرعية البصرية لإثبات دخول شهررمضان، يستند للنصوص الشرعية، ومنها الحديث النبوي الصحيح «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فرؤية هلال رمضان تحتاج الى شهود عدول من مسلمين بالغين سليمي الإبصار.

والفريق الآخر القائل بالاعتماد على الحسابات والمراصد الفلكية لإثبات دخول وخروج الشهر، يستند الى تطور ودقة علم الفلك والحسابات والجداول الفلكية، ويقول بأنه يجب ألا نعتمد فقط على من يمتلكون أعينا كعين «زرقاء اليمامة»، فمن الممكن أن نرى هلالاً وهمياً خادعاً أو أشياء أخرى نحسبها أهلة، وخصوصاً مع اختلاف الغلاف الجوي اليوم عنه في عصر الرسالة وما بعدها.

وعلم الفلك، علم دقيق بعيد عن التنجيم والخرافات، وقد أشارت العديد من الآيات القرآنية للإعجاز الفلكي، وكان للإسلام الفضل الأكبر في نهضة علم الفلك، فقد عرفت الحضارة الإسلامية علم الفلك، وكانت له أصوله وقواعده العلمية الدقيقة، فقد ظهرت المراصد الفلكية الكبيرة المتميزة بأدواتها المصممة بعناية وحظيت برعاية فائقة، وكانت لهذه المراصد برامج بحثية مهمة محددة ومميزة، منها تصميم جداول فلكية دقيقة لكل الكواكب مبنية على أرصاد حديثة، وقد اهتم الفلكيون العرب المسلمون بتطوير الآلات اللازمة لتحقيق أفضل وأدق الأرصاد الفلكية على عهدهم، مثل الإسطرلاب الإسلامي الذي استخدمه المسلمون لتحديد مواقيت الصلاة واتجاه القبلة، والمزولة الشمسية لمعرفة الوقت نهاراً.

وأخيراً، لقد أصبح هناك ضروروة لعقد مؤتمرات وندوات تجمع بين علماء الفلك والفقهاء، تبحث وتناقش بصورة جدية مسألة ثبوت الأهلة، وما يرتبط بها من قضايا أخرى، وذلك لتقريب وجهات النظر بين فريقي الفقهاء وعلماء الفلك، والخروج منها بنتائج وأساليب صحيحة وواقعية قابلة للتطبيق، تحقق بدقة رؤية الهلال وتساعد في نفس الوقت على حسم الجدل القائم حالياً بين الفريقين، فمن الضروري الجمع بين الفريقين والأخذ بالرؤية الشرعية والحساب العلمي في آن واحد، وهناك أيضاً ضرورة مهمة أن يقوم علماء ومؤسسات علم الفلك بتوعية عامة الجمهور بأساسيات علم الفلك المتعلقة بالأمور الشرعية وأهمية معرفة الحسابات والجداول الفلكية الدقيقة ـ التي تخضع للمنهج العلمي البعيد عن التنجيم والخرافة ـ في إثبات دخول وخروج الأشهر القمرية، وذلك من خلال تبسيط هذا العلم المهم ونشر المعلومات الأساسية حوله مثل مواعيد شروق وغروب القمر وإمكانية رؤية الأهلة ومواقيت الصلاة وإتجاه القبلة، من خلال وسائل الإعلام ومواقع في شبكة الإنترنت، ونشرات دورية توضح حسابات الأهلة، إذ أن عدم إلمام العامة بالثقافة الفلكية وأساسيات وأهمية الحسابات الفلكية، قد يساعد في مهاجمتها ورفضها، فالحسابات والمراصد الفلكية لا تعني إهمال الرؤية الشرعية بل هي وسيلة دقيقة أيضاً للتأكد من صحة ودقة شهادة الشهود، فالجمع بين الفريقين أصبح ضرورة لإنهاء نقاش وجدل دام طويلاً حول هذه المسألةً.

* كاتبة وباحثة مصرية في الشؤون العلمية