بلا تين

TT

كانت تروى أيام الرئيس عبد الناصر نكتة خلاصتها أن الرئيس المصري استدعى الرجل الذي يؤلف النكات هذه وسأله: «انت قلت النكتة دي؟» فأجاب نعم. والنكتة دي والنكتة دي ودي، فقال نعم. فقال الرئيس المصري «انت عارف انك بتقول النكات دي على الراجل اللي انتخبه 99.99% من الشعب؟» ورد الرجل «النكتة دي ما قولتهاش».

ولم يكن ذلك صحيحا. وكان يشاع أن عبد الناصر يضحك لكل نكتة تقال على النظام. ولم يكن ذلك صحيحا أيضا. ويروي فؤاد مطر في كتابه «زلازل مصر» أن موجة من النكات الساخرة أطلقت بعد 1967 أزعجت النظام وأقلقته، فجند أجهزته للبحث عن مصادرها ومحاربتها. وكان يقال إن الشعب المصري يفرج عن حنقه وتذمره بالنكتة المالحة، وهذا صحيح تاريخيا، لكن مصدر النكات في مراحل كثيرة كان خارجيا. ولدي شعور بأن البولونيين كانوا أكثر من روى النكات ضد النظام الاشتراكي، وكانت هذه تترجم و«تمصر» أو تحكى عن أنظمة لها معوقات متشابهة.

يعيد كتاب حديث عن تاريخ الضحك النكتة إلى بدايات التاريخ. ويقول المؤلف جيم هولت إن أفلاطون وسقراط رأيا في النكتة تعبيرا عن التفوق وأسلوبا في «السخرية والتحقير». وقد ترك لنا كبار الفلاسفة المعاصرين دراسات كثيرة عن روح النكتة وأسبابها وتأثيرها، أمثال هنري برغسون وعمانئيل كنط وطبعا سيغموند فرويد. ودونت الإمبراطورية الرومانية نكات عصرها كما دون الإغريق دعاباتهم. ولا حاجة إلى التذكير بأن الأدب العربي مليء بملاحات الظرفاء وحكاياتهم.

وقد انتقد تشارلز داروين أرسطو لأنه قال إن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يضحك. وأثبت أن بعض القردة إذا «كركرت» تحت إبطها ضحكت مثل البشر.

وعندما كان الزميل فؤاد مطر يعود من رحلاته إلى القاهرة، كان يحمل معه دائما «آخر نكتة» سياسية عن مصر أو السودان. والذي لم نكن نعرفه أن السودانيين لا يقلون ولعا بالنكتة ولا أقل براعة في صنعها. وروى لي صديق أخيرا أنه التقى فنانا مصريا في الشانزليزيه، فسأله هذا عن عنوان صديق مشترك، فأعطاه، فأراد الفنان أن يكافئه بخدمة مقابلة فسأله هل تعرف «لماذا سميت أميركا الجنوبية أميركا اللاتينية» فأجاب لا، فقال المنتصر بالله، «لأن سيادتك ما فيهاش تين».