لبنان: الفيديرالية هي الحل!

TT

كان يقال في السابق إن قوة لبنان في ضعفه، هذا دفع بالفصائل الفلسطينية الى فرض «أنظمتها» على لبنان وسيطرتها، وبدل أن يتمسك اللبنانيون بتلك المقولة ويطلبون تحييد لبنان، جاء «اتفاق القاهرة» الذي اقتطع معه العرب «فتح لاند» وانطلقت صواريخ الكاتيوشا على شمال اسرائيل وعانى اهل الجنوب ما عانوا.

ثم وقعت الحرب واجتاحت إسرائيل لبنان، وحصل ما حصل لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولا تزال الفصائل الفلسطينية التي أصبح قسم منها «السلطة» وقسم منها «حماس» و«الجهاد» تتصارع في ما بينها ولم تعد هناك قضية.

ومن اجل ألا تبقى حالة لبنان هي الفوضى لاحقاً، جاء «اتفاق الطائف» الذي اخطأ باستثناء سلاح «المقاومة» من تسليمه للدولة. قسم من تلك المقاومة (حزب الله) ابتلع القسم الآخر (أمل)، وأراد أن يقول إن لبنان صار قادراً على مواجهة إسرائيل، لكن ذلك يتطلب إن «يخضع» كل لبنان لـ«حزب الله».

نسي الكثيرون في غمرة نشوتهم بانتصار «حزب الله» في حرب تموز 2006 ان امينه العام السيد حسن نصر الله اخذ كل لبنان رهينة، وعرّض كل الأراضي اللبنانية للتدمير.

وجاءت الآن حادثة «سجد». انها تدخل في نطاق مسلسل شل الجيش اللبناني وإرباكه ومنعه من التحرك. يجري الحديث دائماً عن ان الجيش والمقاومة في «خندق واحد». اذن المعادلة بسيطة: شل الجيش لتبقى المقاومة وحدها قوية. وتزامنت الحادثة مع وجود وفد عسكري أميركي يبحث في تقوية الجيش اللبناني.

بدأ مسلسل شل الجيش مع مواجهة الشياح ـ عين الرمانة في كانون الثاني (يناير) الماضي، بداعي انقطاع التيار الكهربائي عن الضاحية، فأحيل أربعة ضباط الى التحقيق (أطلقوا لاحقاً)، ثم جاء تفجير طرابلس، فسُجد فالتدابير السياسية. وأصيب الجيش بشلل ولم يعد قادراً على الحسم.

كانت الهليكوبتر في سجد شديدة الوضوح بأنها لبنانية، وليس صحيحاً الادعاء بالاعتقاد أنها إسرائيلية، ذلك أن ردود الفعل الأولى والمباشرة، إن كان من قيادة الجيش أو من تلفزيون «المنار» التابع لـ«حزب الله»، أشارت الى تعرض هليكوبتر عسكرية لبنانية لإطلاق نار من «عناصر مسلحة مجهولة». وتبين ان الملازم أول الطيار قتل على الفور، وأكد زميله انه خُطف وخضع للتحقيق (أسلوب «حزب الله»).

لقد تحول إقليم التفاح الى مربع لمراكز أمنية كثيرة لـ«حزب الله»، وعجزت كل محطات التلفزة اللبنانية عن إرسال فرق لتصوير المكان الذي وقعت فيه الحادثة واضطر بعضها الى عرض خريطة للمكان. كما ان اقليم التفاح منطقة عمليات تدريبية للجيش، وربما هذا ما دفع صحيفة «السفير» الى تبرير الحادث بأن السبب يعود الى خلل في التنسيق!

أحد الباحثين عن دور قال إن التحقيق يجب أن يشمل ما كانت تفعله مروحية الجيش في تلك المنطقة، وبسبب انتمائه فسر البعض أن هناك فئة في «حزب الله» مرتبطة بسوريا أكثر من ارتباطها بإيران، وان هذه الفئة ارتكبت هذا الحادث لتعزيز الموقف السوري في اتصالاته السرية مع الأميركيين، بحيث يبدو انه قوة فاعلة داخل الحزب، لحسابات مستقبلية.

على كل، بتنسيق أو من دون تنسيق، هذه الحوادث ستقع. ونحب ان نعتقد بأن المؤسسة العسكرية «خضعت» للتنسيق مع «حزب الله» ربما لتفادي وقوع مثل هذه الحوادث. لكن القرار في النهاية يبقى بيد «حزب الله»، ولا احد يقرر مكانه طالما ان قرار الحرب والسلم بيده. ويكفي ان يقول الحزب، لدينا في هذه المنطقة قواعد لمواجهة إسرائيل، حتى يمتنع الجميع من دخولها، ويمكن القول ان المناطق «المطهرة عرقياً» هي المناطق التي يسيطر عليها الحزب.

ان الحادثة وقعت استباقاً لجلسات الحوار، لأن اي نتيجة كان سيتم الاتفاق عليها في جلسات الحوار ما كانت ستأتي لمصلحة الحزب.

في جلسات حوار 2006، عندما وصل المحاورون الى ملف سلاح «حزب الله»، خطف الحزب الجنديين الاسرائيليين وقتل ثمانية وكانت الحرب. حادثة «سجد» جاءت وسط تهديدات إسرائيلية متكاثرة، وبعد قول السيد نصر الله بأن هناك خمس فرق عسكرية إسرائيلية مستعدة لخوض الحرب لنزع سلاح حزبه، فجاءت حادثة «سجد» على هذا الأساس. ولو ان الجيش اللبناني اصطدم مع الحزب اثر هذه الحادثة، لكان يمكن للحزب إطلاق صواريخ على إسرائيل فيوفر لها التبرير للتدخل، وكنا دخلنا في أسوأ من 2006. ونتساءل عن التزامن!

لقد تداخلت الأسباب بعضها ببعض في لبنان وتزداد تعقيداً، منها: شل قدرات الجيش، وشد اسرائيل للهجوم على لبنان، ويتردد الحديث كثيراً عن فيديرالية معينة قد تعود لفرض نفسها. وهذه مسألة مرجحة، إذ صارت كل الأطراف مقتنعة بها. ووراء الأبواب المغلقة الكل يتحدث فيها وكل طرف مقتنع انه طالما أن احداً لن يتنازل عن «ممتلكاته» للدولة، فليحدد كل طرف «حدوده».

إن وضع لبنان اليوم سيئ جداً، وبعد مغادرة السياح هبط الجمود يرافقه الخوف. وجاء احمد أبو الغيط، وزير خارجية مصر، ليحذر من انفجار في الشمال، وكان سبقه في التحذير برنار كوشنير، وزير خارجية فرنسا، ويتردد أن طرابلس ستتعرض لـ«تطهير عرقي وتطهير سكاني»، كما يجري الحديث عن نقل مناطق بأكملها من أمكنتها. ان كل الاحتمالات في طرابلس صارت واردة. قد تكون هناك مبالغة، إنما لا دخان من دون نار، لذلك يجري التركيز على مسلسل شل الجيش الذي لم يستطع حتى الآن الفصل بين المتقاتلين.

لا أحد بعيد عن «تمني» الفيديرالية، ولا احد يريد الاصطدام مع «حزب الله». وهذا يذكر بماضي العلاقة مع الأطراف الفلسطينية المسلحة التي تطورت كما تتطور علاقة «حزب الله» بالشعب اللبناني والدولة اللبنانية.

يوم الأحد الماضي وفي الذكرى الثلاثين لاختفاء الإمام موسى الصدر دعا نبيه بري رئيس حركة أمل/ رئيس مجلس النواب الى تشكيل لجنة تنسيق ميدانية بين الجيش و«حزب الله»!

السؤال هو: هل ان اللجنة هي لتأجيل الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية؟ وهذه اذا تمت من سيلتزم بها وكيف سيكون الالتزام، اذ يجب ان تشارك «ايران» أيضا في الجلوس حول طاولة ذلك الحوار، لأن أهداف الدولة اللبنانية تختلف عن أهداف الدولة الايرانية. و«حزب الله» يأتمر بقرار طهران وولاؤه لولاية الفقيه وهذه حالة ايرانية بحت.

لقد عادت اسرائيل الى سوق المزايدات في لبنان، وحذرنا بري بأن لا ننام مطمئنين لأن إسرائيل والإرهاب وجهان لعملة واحدة. وقبل مدة كنا نطالب باسترجاع مزارع شبعا واليوم فرضوا علينا معادلة «تحرير مزارع شبعا»، في حين ان سوريا تفاوض لاسترجاع الجولان.

لا يبدو ان كل اللبنانيين مع الجيش، اذ ان تعرض الجيش لاعتداءات وذبح وتفجير واغتيالات في الشمال والجنوب والعاصمة، يؤكد ان هناك قسماً ليس معه، رغم كل الكلام «الوطني» الرنان.

ولا يهضم كل اللبنانيين ان يكون الجيش والمقاومة في خندق واحد. لقد شبع لبنان من كونه خندقاً. وعلى قائد الجيش الجديد العماد جان قهوجي ان يكون واضحاً ويجيب ما سيكون موقف الجيش اللبناني إذا ما تعرضت إيران لأي هجوم من أميركا أو إسرائيل، وإذا قرر «حزب الله» مؤازرتها، فهل سيدخل الجيش اللبناني في أتون المجهول آنذاك ويزج بلبنان في الجحيم؟

على المسؤولين اللبنانيين ان يتعظوا من دروس الماضي في التعاطي مع المنظمات الفلسطينية المسلحة التي كانت هي الأخرى «تزني وتتصدق»، ولن يبقى لبنان كياناً إذا ما أصر «حزب الله» على التعاطي معه كما كانت تتعاطى المنظمات الفلسطينية.

إن ما جرى في سجد، وما يجري في طرابلس وعكار والبقاع جزء من مؤامرة على لبنان. ان الوضع في طرابلس لا يقف على برميل بارود، بل على شاحنة بارود. ان دعوة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط للمصالحة في طرابلس في محلها. لأن سوريا لن تسمح باقتلاع العلويين من جبل محسن، ولن تقبل الا بسنّة من مناصريها حتى لو كانوا متطرفين. ويرددون في لبنان ان «التمرد» الذي جرى في سجن صيدنايا في دمشق كان رداً على ما تعرض له السنّة في طرابلس.

ان الفيديرالية تؤدي الى الحل، والأفضل السير فيها والتوقف عن خداع النفس والدفاع عن نظام يدفع كل عشر سنوات الى حرب. وقد تنقذ الفيديرالية طرابلس من حرب مدمرة. واذا كانت الدول العربية والغربية مخلصة في مساعيها الانقاذية فعليها ان تشجع لبنان على اعتماد الفيديرالية.