المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية.. سرها في ما قالته رايس!

TT

سيقف الرئيس الأميركي جورج بوش هذه المرة أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهي آخر مرة سيقف فيها هذه الوقفة، وفي يده «اتفاق إطار» وخريطة طريق توضيحية لما جرى إقراره في مؤتمر «أنابوليس» قبل عام وهو سيقول بنبرة من أحرز إنجازاً كبيراً، وفي ذهنه أنه سيغادر البيت الأبيض وأنه سيودعه الوداع الأخير: أزف إليكم البشرى بأن عملية السلام في الشرق الأوسط لم تفشل وأن الدولة المستقلة التي كنت قد حدثتكم عنها سوف تقوم، وأن الفلسطينيين والإسرائيليين بمشاركة أميركية فاعلة قد قطعوا معظم الطريق، ولم تبق إلا خطوات قليلة!

كانت مهمة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس خلال زيارتها الأخيرة الى الضفة الغربية وإسرائيل تتركز على هذه النقطة وعلى أن الرئيس جورج بوش يجب ألا يذهب الى الجمعية العمومية للأمم المتحدة بيدين فارغتين وخالي الوفاض، وأنه لا بد من التوصل الى «إتفاق إطار»، يجدد شباب ما تم التوصل إليه في «أنابوليس» العام الماضي، ليكون بمثابة الإنجاز الذي حققته هذه الإدارة الجمهورية بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط المعقدة قبل ان ترحل في بدايات العام المقبل.

لقد كانت رايس حازمة هذه المرة وهناك قناعة بأن زيارتها الأخيرة هذه، التي لن تكون حتماً آخر زياراتها الى هذه المنطقة، هي أهم زيارة فهي أفهمت الإسرائيليين والفلسطينيين بأن الفشل ممنوع وأن المفاوضات حتى اجتماع الجمعية العمومية يجب ان تتواصل ليلاً ونهاراً وبإشراف أميركي مباشر، وأن أقل ما يجب ان يتحقق هو إعادة إنعاش ما تم التوصل إليه في «أنابوليس» وإن بِحلَّة جديدة وإن المطلوب هو «اتفاق إطار» ستتابعه هذه الإدارة في باقي ما تبقى لها من أيام في البيت الأبيض وستتابعه الإدارة المقبلة التي ستسفر عنها الانتخابات الرئاسية الجديدة وسواء كانت جمهورية أم ديموقراطية.

في لقاء على مائدة غداء مع الفلسطينيين في رام الله خلال زيارتها الأخيرة، التي هي ثامن زيارة لها الى هذه المنطقة، أبلغت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس «مضيفيها الكرماء» ان الوقت يمضي بسرعة وأنه لا بد من وضع النقاط على الحروف بالنسبة لقضايا رئيسية ومهمة كثيرة، وأن هذا الذي ستبلغهم به هو الموقف الأميركي الرسمي الذي «يجب» أن تتواصل المفاوضات على أساسه والذي لن يخضع إطلاقاً لا الى المساومة ولا الى التغيير:

أولاً، ان الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة ستقوم إن ليس على كل الأراضي التي احتلت في حرب عام 1967 فعلى معظمها، وأنه سيتم التبادل swaping المتكافئ والعادل بالنسبة للأراضي التي سيتم تبادلها، وأنه لن يكون هناك أي وجود عسكري أو أمني إسرائيلي في هذه الدولة التي يجب ألا تكون مسلحة وألا تشكل أي خطر على الدولة الإسرائيلية ومستقبلها.

ثانياً، تعتبر القدس الشرقية جزءاً من الأراضي التي اُحتلت في حرب عام 1967 ولذلك فإن المفاوضات حولها يجب ان تتم على هذا الأساس مع ترك الأبواب مفتوحة حول التفاهم المُرضي بالنسبة للأماكن المقدسة.

ثالثاً، اعتبار كل الأراضي الملونة باللون الرمادي على الخريطة، المعدة من قبل إسرائيل، المشاطئة للبحر الميت والممتدة في اتجاه القدس وفي اتجاه أريحا أراضٍ فلسطينية لا يجوز للإسرائيليين الاستمرار بوضع أيديهم عليها لا لأسباب أمنية ولا لأسباب عسكرية وأيضاً لا لأسباب متعلقة بالبيئة والمحميات الطبيعية.

إزاء هذه التأكيدات، التي قالت رايس إنها تمثل وجهة النظر الأميركية الرسمية، فإن الفلسطينيين قد شعروا بالكثير من الارتياح إذْ أنها المرة الأولى التي يقال فيها مثل هذا الكلام وبكل هذا الوضوح إن بالنسبة للقدس الشرقية واعتبارها جزءاً من الأراضي التي احتلت في حرب يونيو (حزيران) عام 1967 وإن بالنسبة لقيام الدولة المستقلة وفقاً لحدود ما قبل هذه الحرب وأيضاً إن بالنسبة لرفض أي وجود عسكري أو أمني لإسرائيل داخل هذه الدولة.

والمعروف ان إسرائيل كانت، وربما لا تزال، تصر على وجود شريط عسكري عازل على طول خط نهر الأردن، بين الضفة الغربية والمملكة الأردنية الهاشمية، لفترة اختبار وحسن نوايا تمتد الى عشرين عاماً، وهذا كان قد رفضه الأردنيون بصورة قاطعة ومانعة ورفضته القيادة الفلسطينية بدورها إن في المفاوضات السابقة حتى نهايات القرن الماضي، وإن في المفاوضات اللاحقة حتى الآن.

لقد أبدى الفلسطينيون رغم اعتبارهم ان ما أبلغتهم به رايس يشكل تقدماً في الموقف الأميركي إزاء القضية الفلسطينية، لا يجوز إنكاره ولا التقليل من أهميته، تحفظاً على الشرط الإسرائيلي القائل بأنه على السلطة الوطنية قبل المباشرة بوضع خريطة هذا الاتفاق ان تسيطر على الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وغزة وقد أبلغ محمود عباس (أبو مازن) وزيرة الخارجية الأميركية في اجتماع الغداء هذا المشار إليه ذاته أن هذا المطلب من قبل إسرائيل يشكل شرطاً تعجيزياً وإن الإسرائيليين هم أسعد الناس بظاهرة «حماس» وبفصل غزة عن الضفة الغربية وقيام كيانين متصارعين متباعدين.

لم تتوقف رايس عند هذه المسألة وهي قالت للفلسطينيين إنها أكدت للإسرائيليين ان بلادها لن تسمح بأن يذهب رئيسها الى الجمعية العمومية للأمم المتحدة بيدين فارغتين وخاوي الوفاض وأن المفاوضات، التي ستتواصل وبكثافة وبمشاركة أميركية رسمية ترتقي الى حدود الإشراف من الآن وحتى ذلك الحين، يجب ان تنجز «اتفاق إطار» وفقاً لقرارات «أنابوليس» يشكل خريطة مفاوضات فعلية حول قضايا المرحلة النهائية.

وبالطبع فإن الفلسطينيين، لأنهم اعتبروا هذا الذي أبلغتهم رايس به جديداً وجديّاً، بادروا الى إطلاع المملكة العربية السعودية ومصر والمملكة الأردنية الهاشمية عليه وهم بالتفاهم والاتفاق مع هذه الأطراف الثلاثة وبينما المفاوضات المكثفة الفلسطينية ـ الإسرائيلية تتواصل بإشراف أميركي يركزون على ضرورة ان تكون هناك ضمانات فاعلة لكل ما سيتم الإتفاق عليه، وان تتم الاستعانة لاحقاً بقوات دولية (مصرية على وجه التحديد) لإعادة بناء أجهزة السلطة الوطنية والتهيئة لإجراء إنتخابات رئاسية وتشريعية في الضفة الغربية وقطاع غزة يسبقها حل الحكومتين المتصارعتين وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تشرف على هذه الانتخابات التي يجب ان تكون نتائجها ملزمة للجميع.. الفلسطينيون والعرب وإسرائيل والأمم المتحدة والعالم كله.

ويبقى هنا أنه لا بد من ملاحظة ان «حماس» قد بادرت وبسرعة الى رفض مبدأ إرسال قوات عربية (مصرية على وجه التحديد) الى غزة ومبدأ حل الحكومتين الفلسطينيتين القائمتين حالياً وتشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية تشرف على هذه الانتخابات المشار إليها.. وهذا معناه ان «الأجندة» الإيرانية بالنسبة للموضوع الفلسطيني لا تزال مستمرة وعلى غرار ما هو جارٍ في لبنان وفي العراق وفي دول عربية أخرى.

ترفض «حماس» ان تخرج المفاوضات من دائرة المراوحة في المكان ذاته وهي تتمسك بدولة غزة وترفض القوات العربية (المصرية على وجه التحديد) وترفض الانتخابات التشريعية والرئاسية المقترحة وهذا ما تريده إيران وما يريده الذين في مصلحتهم تعطيل عملية السلام الى ان يحصلوا على «سلامهم».. وغير صحيح كل ما قيل عن خلاف بين خالد مشعل وإيران فمشعل رقم صغير في المعادلة الإيرانية في هذه المنطقة، وهو لا يحق له لا الخلاف ولا الاعتراض، والمؤكد ان كل التسريبات التي تمت بهذا الخصوص هدفها «التنفيس» والتلميع والتسويق بينما يجري كل هذا الذي يجري على الساحة الفلسطينية!!