مغامرة في وادي الملوك (7)

TT

أصدرت الحكومة المصرية تحت وطأة حرب 1973، قرارا بمنع التصريح للبعثات الأجنبية للعمل في مصر. وقد استثنت من هذا القرار منطقتين هما منطقة آثار الأقصر ومنطقة آثار الجيزة. ولذلك تصادف وجود أكثر من 130 أثريا مصريا بمنطقة وادي الملوك يعملون مع بعثات مختلفة، وكان معظمنا من خارج مدينة الأقصر، وكان هناك أكثر من استراحة لمفتشي الآثار نقيم فيها، وما زلت أذكر هذه الأيام وأنا مفتش صغير، حيث كنا نجتمع لنتناقش في أمور الآثار وكلٌ يحكي عن المنطقة الأثرية التي يعمل بها، وقد ساعدتني تلك الأيام في الإلمام بالكثير من الأمور المهمة عن مناطق الآثار في مصر، وأنا مقيم باستراحة مفتشى الآثار بالبر الغربي بمدينة الأقصر.

وكثيراً ما كنا نجتمع بفندق الشيخ على عبد الرسول بعد انتهاء أعمالنا مع البعثة، وكان شيخ خفراء منطقة القرنة القريبة من وادى الملوك ـ الشيخ نجدي رحمه الله ـ من أحب الشخصيات إلى قلوبنا؛ يمتلك معرفة واسعة بآثار الأقصر وعمل مع أكثر من بعثة أجنبية، وكان يطيب له أن يحكي عن الوادي وعن العلماء الذين عمل معهم وعن والده الشيخ عبد المعبود الذي يعتبر من مشايخ الخفراء الذين اشتغلوا مع البعثات الأولى في وادي الملوك. وقد كان الشيخ نجدي شخصية قوية جداً يرتدي جلبابا طويلا وعمامة ويمسك في يده عصا استطاع بها أن يحرس هذا الوادي بل لم يجرؤ لص من لصوص الآثار أن تمتد يده لسرقة مقبرة كان الشيخ نجدي مسؤولا عنها، وقصص سرقات الآثار في الوادي تمتد إلى العصور الفرعونية، حيث كان لصوص المقابر قديماً يأتون ليلاً إلى الوادي يبحثون عن الذهب والكنوز المخبأة داخل المقابر، وكانوا يهربون عندما يحسون بوجود حراس الوادي، ولدينا دليل أنهم دخلوا إلى مقبرة «توت عنخ آمون» وأعدوا العدة للسرقة وعندما هموا بالرحيل بكنوز المقبرة سمعوا صوت بوليس الوادي في الخارج؛ ولذلك تركوا كل شىء داخل المقبرة وفروا هاربين وقام حراس الجبانة بختم المقبرة وغلقها مرة أخرى..

وطلبت من الشيخ نجدي أن يأخذنا إلى وادي الملوك ليلاً وكان الوادي مضاء بضوء القمر في مشهد لم أر أجمل منه في حياتي، وعندما وصلنا إلى الوادي أخذنا إلى أعلى نقطة بالجبل المهيمن على وادي الملوك، والذي تشبه قمته قمة الهرم وكانت سبب اختيار الفراعنة لهذا المكان لكي ينحتوا مقابرهم أسفل الجبل، وطلبنا من الشيخ نجدي أن يتركنا ويعود إلى منزله لأن الليل كان قد انتصف، إلا أنه قرر أن يمر على مقابر النبلاء في القرنة، وجاء بعد ذلك إلى الوادي ونام بجوار إحدى المقابر الملكية منتظراً نزولنا من أعلى الجبل، وكنت قد نمت بجوار القمة الهرمية، ورغم أننا كنا في أيام الصيف، إلا أن الجو كان يأتي بهواء بارد يوقظني من أحلامي وأنا أتخيل نفسي وقد صرت رئيسا لبعثة أثرية يأتي للعمل بوادي الملوك كأول بعثة مصرية خالصة بالوادي المليء بالأسرار. أسرار ملوك وفراعنة بنوا حضارة عظيمة أضاءت للإنسانية طريق العلم والمعرفة، وتحقق الحلم وبدأنا فعلاً كأول بعثة مصرية تحفر في وادي الأسرار..

www.guardians.net/hawass