الطريق ما زال طويلا أمام أوباما

TT

كما يظهر في الكثير من وسائل الإعلام، لقد فاز أوباما برئاسة الولايات المتحدة بالفعل، حيث كتب أحد كتاب المقالات الأميركيين «إنه يبحر نحو الفوز». وذكر محلل بريطاني: «لا أرى شيئا يمكنه إيقافه».

ولكن في رأيي، تبدو فرص أوباما في الفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) غير أكيدة. وربما كان الديمقراطيون ليحرزوا نتيجة أفضل إذا رشحوا هيلاري كلينتون أو جون إدواردز، مع تجاهل الفضيحة الجنسية التي طالت الأخير بعد الانتخابات التمهيدية.

والسبب ليس أن أوباما أسمر البشرة (في الحقيقة هو ثنائي العرق، أي أنه أسمر وأبيض). ومنذ جيل مضى كان ربع الأميركيين مستعدين للتصويت من أجل جيسي جاكسون، وهو كاهن ذو وضع سياسي سعى من قبل إلى ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية.

والسبب وراء احتمالية عدم فوز أوباما هو أنه فشل في الاتصال بقاعدة الحزب الديمقراطي، أي العمال ذوي الياقات الزرقاء في المناطق الصناعية المدنية. فهو بالنسبة لهم مرشح صاحب ثروة وامتياز، ويساري يتناول الكافيار والشامبانيا ويلحق أبناءه بمدارس خاصة باهظة التكاليف يذهبون إليها في سيارات ليموزين فارهة، بينما يرسل أبناء الفقراء إلى مدارس عامة مهملة في حافلات بالية.

في شبابه، صادق أوباما مجموعة كبيرة من الشخصيات المختلفة في طبيعتها، ودخل بعض منهم إلى السجن بتهمة الإرهاب. وقرأ لفرانز فانون، الرجل المجنون من مارتينيك، وردد مقولات إدوارد سعيد. ولكن، في ما بعد، انتقل أوباما إلى صحبة المنتفعين الأثرياء، الذين أرسل بعضهم إلى السجن بتهمة الفساد. وفي طريقه، تحول إلى الديانة المسيحية على يد كاهن يتبع حركة «تحرير السود».

ومع انطلاق حملته الانتخابية، انتهى الأمر بأوباما في صحبة الملياردير الشهير جورج سورس، ونجوم الغناء الأثرياء مثل مادونا.

وأثناء الانتخابات التمهيدية، كشف أوباما عن احتقاره للأميركي «العادي» الذي يلجأ إلى «السلاح والدين».

تقول الحكمة التقليدية أن أوباما سيفوز بالانتخابات لتدني مستويات شعبية الرئيس جورج دبليو بوش. ولكن، بينما يبدو أن نسبة شعبية بوش تتوقف عند 30 في المائة، يحظى الكونغرس، الذي يسود أغلبيته حزب أوباما، بشعبية أقل تصل إلى 13 في المائة فقط.

وكذلك كان آخر ديمقراطي يفوز في الانتخابات بفارق وصل إلى أكثر من نصف الأصوات هو جيمي كارتر عام 1976.

وفي عام 1992، فاز بيل كلينتون بنسبة 43 في المائة من الأصوات، وفي عام 1996 فاز بنسبة 49 في المائة. وفي كلتا الحالتين، فاز كلينتون بسبب وجود مرشح ثالث قوي (روس بيرو) وقد حصل على 20 في المائة من الأصوات (عام 1992) وعلى 6 في المائة (عام 1996)، وكانت كل هذه الأصوات تقريبا من الجمهوريين. فبدون بيرو، لم يكن كلينتون ليفوز بالرئاسة.

في عام 2000، فاز الديمقراطيون بفارق نصف مليون صوت عن الجمهوريين، ولكنهم فشلوا في الفوز بأغلبية الأصوات في المجمع الانتخابي. ولكن بعد ذلك بأربعة أعوام، خطط بوش للفوز بحوالي أربعة ملايين صوت أكثر من منافسه الديمقراطي السناتور جون كيري.

إن أوباما على ثقة من الفوز بتأييد أغلبية أصحاب البشرة السمراء، وتبلغ نسبتهم في جمهور الناخبين حوالي 12 في المائة، وهم الذين يؤيدون الديمقراطيين منذ الخمسينات. ومن المؤكد أيضا أن يصوت من أجله معظم اليهود، وتبلغ نسبتهم 2 في المائة من الأصوات، كما أنهم مؤيدون للحزب الديمقراطي منذ 100 عام. ومن المتوقع كذلك أن يصوت الأميركيون العرب والمسلمون، ونسبتهم 2 في المائة من أجل أوباما بسبب أصوله الإسلامية ومعارضته للحرب على العراق.

وربما يفوز المرشح الديمقراطي بأكثر من نصف مجموع أصوات أصحاب الأصول اللاتينية والتي تبلغ نسبتها 12 في المائة. ويجب على أوباما أيضا أن يضمن تأييد 8 في المائة أخرى على الأقل من أصوات جمهور الناخبين التي كانت دوما تمنح للديمقراطيين. وهذه الأصوات تشمل المعلمين وأعضاء النقابات التجارية، وعشرات من الجماعات اليسارية أو يسار الوسط الصغيرة. وبطريقة أخرى، يبدأ المرشح الديمقراطي بتأييد نحو 30 في المائة من أصوات الناخبين. لكن المهمة الشاقة هي أن يضمن الحصول على الـ20 في المائة المتبقية بالإضافة إلى واحد في المائة.

وأثناء الانتخابات التمهيدية، جمع أوباما 9 في المائة من أصوات الناخبين. وحصلت منافسته الأساسية السيدة كلينتون على 9 في المائة أخرى. وبهذا، عقد الديمقراطيون مؤتمرهم الحزبي في دينفر ومعهم 18 في المائة من أصوات جمهور الناخبين.

لقد فاز أوباما بالترشيح ليس لأنه حصل على أصوات أكثر من كلينتون، ولكن بسبب نظام جديد للتمثيل النسبي الذي يفضل الخاسر. لم يفز أوباما في أي من الولايات الكبرى التي يجب على الديمقراطيين الفوز بها من أجل الوصول إلى البيت الأبيض. وبمساعدة ماكينة الحزب، خطط لحرمان كلينتون من الوفود التي فازت بتأييدها في فلوريدا وميتشيغان، وهما ولاياتان من بين أهم خمس ولايات. لقد فاز أوباما بتأييد الوفود في ولايات لم يفز فيها الديمقراطيون في الانتخابات الرئاسية منذ الستينات.

وليس من الواضح عدد مؤيدي هيلاري كلينتون الذين ربما يصوتون من أجل أوباما في نوفمبر (تشرين الثاني). كما يشعر الكثيرون بالانزعاج لأن مرشحتهم فازت في معظم الولايات التي تسود فيها أغلبية ديمقراطية بينما غالبية الولايات التي فاز فيها أوباما كانت تلك التي لا يحظى الديمقراطيون بفرص كبيرة للفوز بها.

هناك شيء واحد مؤكد: إن هذه الانتخابات ستكون مثيرة وذات طابع يجعل منها انتخابات تاريخية. فجون ماكين، المرشح الجمهوري، أكبر مرشح سنا يتقدم لأول فترة رئاسية. ومنافسه الديمقراطي هو أول أميركي ـ أفريقي يحاول الوصول إلى البيت الأبيض. وسارة بالين، المرأة التي اختارها ماكين لتكون مرشحته لمنصب نائب الرئيس، هي ثاني سيدة تصل إلى الترشيح لهذا المنصب على قائمة حزب كبير. كما أنها المرة الأولى منذ أكثر من 100 عام التي يكون فيها كلا المرشحين عضوين في مجلس الشيوخ. أضف إليهما جوزيف بايدن، مرشح أوباما لمنصب نائب الرئيس، ليكون لدينا ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ في هذه الانتخابات، وهذا على قدر علمي لم يحدث من قبل.

هذا أمر مشوق بالطبع. ولكن من الذي سيفوز؟ سنعرف هذا بعد 60 يوما على وجه التحديد.