اندفاع الجمهوريين

TT

أحد المشاهد العظيمة في الحياة السياسية الأميركية، أو إحدى اللحظات التي تستحق النشر على «اليوتيوب» إن جاز التعبير، هي رؤية وجه نيوت غينغريتش وهو يمجد محاسن سارة بالين، التي يمثل اختيارها مرشحة لمنصب نائب الرئيس مسلسلا لكوميديا الموقف، وقد يتحول إلى فيلم من أفلام الكوارث إذا وصلت إلى الرئاسة. قال غينغريتش في برنامج «توداي»: «أظن أنها أول صحافية يتم ترشيحها لمنصب الرئيس أو نائب الرئيس، وكانت مذيعة برامج رياضية في التليفزيون المحلي. لذا فإن لديها خلفيات كثيرة مثيرة للاهتمام. كما أن لديها الكثير من الخبرة. وعندما يتحدث الناس عن المخاوف من عدم خبرتها، تذكروا أنها كانت مسؤولة عن حرس ألاسكا الوطني». من المثير للشفقة أن غينغريتش لم يكن موجودا وقت أن منح الإمبراطور الروماني غيوس يوليوس قيصر أغسطس غيرمانيكوس، الذي اشتهر باسم كاليغول وإنستاتيوس لقب القنصل والكاهن. وكان إنستاتيوس هذا حصانا له.

يمكن رؤية اختيار جون ماكين لبالين في ضوء مختلف الآن، وهو ما كنت أراه في البداية أمرا مرعبا. وفقا لحوارات تلفزيونية مختلفة أجريت في عطلة عيد العمال نهاية أسبوع ، وبعد قراءة متأنية لنصوص هذه الحوارات، من الممكن أن تكون هذه محاولة من ماكين لخداع زملائه الجمهوريين. ولقد نجح على نحو يفوق التوقعات.

لقد تكررت ملاحظة غينغريتش أن بالين كانت قائدة حرس ألاسكا الوطني بين الكثيرين في الحزب الجمهوري. في الحقيقة، حتى سيندي ماكين أشارت إلى أن ألاسكا يفصل بينها وبين روسيا مضيق بيرينغ، لذا نستنتج أن بالين كانت لتقف في الصفوف الأولى المواجهة للحرب الباردة.. إذا لم تكن الحرب قد انتهت عام 1989.

ولكن عليك أن تعترف أنه طوال الوقت، وخاصة منذ أن أصبحت بالين حاكمة للولاية منذ عامين، لم تعبر أية قوة روسية غازية المضيق، ربما لأنها كانت مسؤولة عن الحرس الوطني، وربما لأنها صيادة ورياضية. السبب غير واضح لأنه لم يظهر روسي رفيع المستوى في أي من برامج الحوارات في نهاية هذا الأسبوع ليقول كيف فكروا في غزو ألاسكا، ثم تراجعوا عندما أصبحت سارة بالين قائدة لحرس ألاسكا الوطني. فمن يلومهم؟

وقد جاء ماكين ليظهر أنه لن يطلب من الآخرين ما لا يفعله هو ليمجد مميزات بالين. وقال إنه «شاهد سجل إنجازاتها.. على مدى أعوام كثيرة جدا»، ربما يفكر شخص عاقل في أن هذه الأعوام أكثر من الإنجازات التي قد تكون حققتها. ولم يذكر ماكين، وهو رجل عسكري، فترة عمل بالين كقائد أعلى للحرس الوطني في ألاسكا، ربما لأنه ظن أن هذا العمل يتحدث عن نفسه. وإذا كان الأمر كذلك، فهو على صواب. وربما يكون المحزن في شأن بالين ليس في اختيارها، ولكن في الدفاع عن ذلك الاختيار. لقد نتج عن هذا الترشيح خروج عدد من المتحدثين باسم الحزب الجمهوري وهم يطلقون تصريحا تلو الآخر أمام الكاميرا أملا في أن يقبل الناخبون هذه التصريحات، ولكنها تصريحات سينساها التاريخ. والأثر الناتج على مشاهدي الأخبار هو شعور بالاستهانة بذكاء الشعب الأميركي، وستجد هذه الاستهانة ما يبررها إذا ساعدت بالين ماكين على الفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وقد شارك في الجهود البطولية المبذولة في تمجيد بالين، المحلل السياسي والكاتب وليام كريستول، الذي كان رئيسا لمكتب نائب الرئيس السابق دان كويل. وقد كرر استخدام كلمة «تقليدية» ثلاث مرات في جملة واحدة ليوضح المعنى المراد: «إنها قصة رائعة عن النجاح الشخصي، فهي أم تقليدية تخطت كل هذه العقبات التقليدية، وهذا هو أفضل ما في الحياة، إذا كنت تؤمن بالقيم التقليدية».

أما الجمهوري الوحيد الذي بدا صادقا تماما في حديثه عن بالين فهو غروفر غي نوركويست، وهو مناهض للضرائب والذي شبه يوما مقولة أن الضرائب العقارية تؤثر على القليل جدا من الناس، بمقولة أن الهولوكوست أيضا أثر على القليل من الناس نسبيا. فقد قال منذ خمسة أعوام فقط: «أعني أن هذه أخلاق الهولوكوست». ووصف نوركويست اختيار بالين المناهضة للضرائب بالخيار «الحكيم». في عام 1959، نشر الروائي تيري سذرن «ذا ماجيك كريستيان»، وهي كوميديا سوداء قائمة على فرضية أن الأشخاص قد يفعلوا أي شيء من أجل المال. ويثبت اختيار بالين أن الأشخاص سيفعلون أي شيء أيضا من أجل السلطة السياسية، ومن بينها الاستيقاظ مبكرا في عطلة نهاية الأسبوع ليسخروا من أنفسهم.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»