جلّ من لا يسهو

TT

قال حذيفة العدوي: كنت أسقي الجند يوم (اليرموك)، وإذا بابن عمر جريح جرحاً مميتاً، فقلت له: أأسقيك؟، فأشار إليّ أن نعم، فإذا برجل يقول: آه، فأشار لي ابن عمر أن أنطلق له وأسقيه، وإذا هو هشام بن العاص، فقلت له: أسقيك؟، فقال: نعم، فسمع آخر يقول: آه، فأشار إليّ أن أنطلق إليه، فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمر، فإذا هو قد مات.

أخشى ما أخشاه لو أنني كنت جريحاً ومن جند معركة اليرموك، وسألني حذيفة ذلك السؤال، لقلت له: أرجوك أعطني الدلاء، ثم (قربعته) حتى انتفخ بطني، وسكبت بقيته على رأسي، من دون أن أنتبه أو ألقي بالاً لتأوّهات الآخرين.

والحمد لله أن جنود الإسلام الأوائل ليسوا على شاكلتي، ولو كانوا كذلك لما انتشر الإسلام في بعض بقاع الدنيا.

واعتبروا كلامي هذا كنوع من الاعتراف، أو كنوع من النقد الذاتي.

فمن المستحيل أن أكون بطلاً رغم أنفي، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه.

* * *

تاجر ساعات حقق أرباحاً لا بأس بها، حيث إنه اتخذ خطة غريبة، فالرجل كان يشتري جريدة الأهرام المصرية كل يوم، ولا يفتحها إلاّ على صفحة (الوفيات)، ويذهب كل يوم إلى أهل المتوفى ومعه ساعة موضوعة وملفوفة في علبة معتبرة، ويقول لهم: إن المتوفى سبق له أن اشترى مني تلك الساعة ولم يدفع ثمنها، وكان الغالبية ينخدعون بذلك ويأخذون الساعات ويسلمونه أثمانها.

ولم تنكشف حيلته تلك، إلاّ بعد أن ذهب إلى أهل أحد المتوفين ومعه الساعة كالمعتاد، لكنه لم يعرف أن ذلك المتوفى قد مكث في المستشفى أكثر من عام كامل، وهو فاقد الوعي، ولم يخرج منها إلاّ إلى القبر، وليس من المعقول أنه قد اشترى تلك الساعة منه قبل شهر واحد مثلما ادّعى.

وقُبض على التاجر الذكي (المسكين)، وأودع السجن بتهمة النصب والاحتيال.

ولو أنني كنت تاجر ساعات، لوزعتها مجاناً على بعض الأرامل المتميّزات من النساء.

* * *

بينما كنت جالساً مع أحدهم في مقهى على رصيف أحد الشوارع، وإذا بامرأة تمر من أمامنا وتحتك بالطاولة التي كنا نجلس حولها إلى درجة أن أكوابنا التي كنا نشربها كادت تتساقط لولا أننا تداركناها.

ليس هذا هو الموضوع، فالطاولة ورفيقي والأكواب كلها (تفداها)، لكن تلك المرأة كانت ترتدي ثياباً (خليعة) جداً، لا أدري كيف استطاعت بعبقريتها أن تختارها.

وسألني رفيقي متذمراً وهو يقول: بالله عليك كيف تصف تلك (الملعونة)؟!

قلت له: أرجوك لا تقل عنها ملعونة، فالله عز وجل نهى عن اللعن، لكنني أشبهها بمن خرجت من الحمام سريعاً وهي ترتدي ملابسها كيفما اتفق هاربة من فندقها الذي تشتعل فيه النيران.

ومعها الحق لو أنها نسيت (بلوزة) من هنا، أو (تنورة) من هناك، وفيها إيه؟!، (جلّ من لا يسهو).

[email protected]