البقية

TT

استعاد الاسبان الاندلس بعد ثمانية قرون على فتح طارق بن زياد. ووعدوا المسلمين بأن يتركوهم يحافظون على دينهم وتقاليدهم، لكنهم سرعان ما حولوا المساجد الى كنائس، وخيروا المسلمين بين النفي والتنصر وحاولوا منع اللغة العربية وكل اثر آخر.

كلما ذهبت الى اسبانيا اكتشف ما هو أثر اللغة. لقد أخفق الاسبان في طرد شبح العرب لأنه بقي في اللغة وفي الاسماء وفي الشعر وفي التاريخ وفي الحكايات وفي الاساطير. وعندما اكتشفوا ذلك قرروا ان يضموا الاندلس الى تاريخهم وابن زيدون الى شعرائهم وطوق الحمامة الى آدابهم.

جاء شاعر الاسبان العظيم سرفانتس وقال لهم إن تحفته «قصة دون كيخوته الذي من لامانشا» وضعها في الاساس مؤلف عربي. ولكي يبرر ذلك حاول ان يبدو قاسيا على العرب ولو قليلا، لكن الخدعة لم تمر على الناس.

عندما صدرت الطبعة الاولى لدون كيخوته في مدريد عام 1605، قبل اربع سنوات من صدور قرار نفي العرب، قدم الكتاب على انه مترجم عن العربية، وكتب سرفانتس في المقدمة «برغم انه يبدو انني والد دون كيخوته، فالواقع انني فقط ابوه بالتبني». ويروي، في منتصف الكتاب، انه عثر في احد شوارع طليطلة على كومة من المخطوطات، فاشتراها برغم انها مكتوبة بالعربية التي لا يعرف قراءتها. وبحث عن مسلم يقرأ له ما فيها، برغم ان العربية كانت قد منعت. وعندما عثر على الرجل دعاه الى بيته وتركه يترجم المخطوطة لقاء أجر قدره 50 اقة من الزبيب ومائة اقة من القمح. استغرقت الترجمة الى الاسبانية ستة اسابيع وها هو الكتاب بين يديك ايها القارئ العزيز.

لقد نسب سرفانتس تحفة الادب الاسباني الى مؤرخ مسلم، على الارجح من اجل ان يثير الضجيج حولها. وصدرت يومها برغم قوانين الحظر على كل ما هو عربي واسلامي. وعاشت خمسة قرون مرورا بمحاكم التفتيش. وفي واجهات المكتبات الاسبانية اليوم كتاب دون كيخوته الى جانب كتب ابن رشد وابن خلدون والجار الآخر وغير المنتظر اطلاقا: محمد شكري. دون كيخوته المغرب.