متسولون بملابس رسمية!

TT

عمال النظافة في مدننا غدوا الأكثر استحقاقا للصدقة من غيرهم من الشرائح، فهم يتابعون نظافة الأرصفة بعين، ويستجدون المارة بالعين الأخرى، فرواتبهم في بعض الشركات لا تتجاوز 300 ريال شهريا، ومن يرتضي العمل بهذا المبلغ البسيط لا بد أن تجبره الظروف على البحث عن زيادة دخله بمختلف الوسائل، وفي مقدمتها التسول واستدرار العطف، ومن حقهم فعل ذلك، فثلاثمائة ريال لا تكفي لما اغترب العامل من أجله..

وفي ظل هذه الرواتب يصبح الحديث عن تردي مستوى النظافة في المدن ضربا من اللامعقول، فعامل النظافة مجبر على أن يوزع وقته بين مهام عمله والبحث عن وسيلة أخرى لتنمية دخله لكي يعيش، وتعيش أسرته التي هاجر من أجل دعمها وإطعامها، وقد أحزنني خبر نشرته صحيفة «الرياض» في عددها الصادر الخميس الماضي عن عمال نظافة «القيصومة»، الذين لم يتسلموا رواتبهم ـ 300 ريال في الشهر للعامل ـ لأكثر من ثلاثة أشهر، فحال هؤلاء ينطبق عليه القول: «حشف وسوء كيل»، ألا يكفي تدني الرواتب ليضاف إليها التأخير؟!

ويمكن القول: إن عمال النظافة في المدن متسولون بملابس شركاتهم الرسمية، وذلك يمنحهم تميزا عن غيرهم من المتسولين الذين ينشطون خلال هذا الشهر الكريم، وتأتي بهم عصابات التسول المنظمة من مناطق كثيرة، حتى تغدو الشوارع معارض للعاهات الصحيحة والمصطنعه.. وحده عامل النظافة الذي يمكنه أن يقف شامخا في وجه فرق مكافحة التسول بملابسه الرسمية المميزة من دون أن يحتج عليه أحد، أو أن يستنكر وقوفه في مختلف الطرقات، وأنا لا ألومهم ولكن ألوم الشركات التي ينتمون إليها، والبلديات التي تتعاقد مع شركات لا تضمن لعمالها الحياة الكريمة التي تمنعهم من السؤال الصامت، وهم يحدقون في وجوه المارة بانكسار يغني عن الكلام..

هذه العمالة إن لم يعد النظر في أوضاعها فإنها يمكن أن تتحول إلى قوة تسول مساندة لغيرها من فرق التسول في الطرقات، وقد لا يكتفي بعضها بهذا فيرتكب مخالفات أخطر وأكبر وأفدح، وعلينا في كل الأحوال أن نلوم أنفسنا أكثر من لوم هؤلاء، فالجائع لا يكتفي في بعض الأحوال بأن يحلم بسوق العيش.

[email protected]