البرابرة

TT

قرأت مع الأيام تفسيرات كثيرة لمصطلح «البرابرة»، ومختلفة أيضا. ولعل التفسير المتفق عليه أكثر من سواه، هو أن الرومان أطلقوا هذه الصفة على الألمان الذين كانوا يستعدون لدخول روما. وسمى أرسطو «البرابرة» كل من هم خارج المدينة أو الحاضرة. وخلط كثيرون بين البربر والبرابرة، ولذلك عاد بربر شمال أفريقيا إلى استخدام الاسم الأصلي، أو الأمازيغ، منعا للالتباس السائد.

البرابرة هم الآخرون. كل من ليس نحن. العدو الخارجي والخصم الداخلي. تقوم حياتنا على الخوف من الآخر والتحسب له والتحصن ضده وعدم الاطمئنان إلى نواياه. لذلك امتلأت خزائن التاريخ بالاتفاقات والخروقات معا. خلال الحرب اللبنانية كان هناك كل يوم اتفاق جديد «لوقف إطلاق النار» لكن الموقعين كانوا يعرفون سلفا أن الاتفاق سوف يخرق قبل أن يجف الحبر الذي كتب به.

ترجم الدكتور سعد البازعي قبل فترة قصيدة جميلة للشاعر المصري اليوناني قسطنطين كفافي، يقول فيها إنه قد يأتي يوم قريب يقال لنا فيه إنه لم يعد هناك برابرة: «والآن ماذا سيحدث لنا من دون برابرة؟ لقد كان هؤلاء القوم نوعا من حل» أي هم المشكلة ولكن هم الحل أيضا. ولذلك بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ساد العالم شعور بالافتقاد إلى مناخ الحرب الباردة حتى عند المعادين للشيوعية. فقد خشي الناس أن تتصرف القوة الواحدة دون أي ضوابط أو حسابات. وهكذا أيضا شعر البعض بالسرور عندما لاحت معالم الحرب الباردة في جورجيا من جديد. وفات الكثيرون أنها لن تكون هذه المرة حربا ثنائية كما كانت في النصف الثاني من القرن الماضي. لم يعد من الممكن إبعاد الصين عن المشهد الدولي أو عزلها. بل قد نرى كما حدث أيام ريتشارد نيكسون وماو تسي تونغ تحالفا بين واشنطن وبكين. وسوف ترى الوحدة الأوروبية نفسها في مأزق شديد ما بين روسيا البوتينية والحليفة القديمة عبر الأطلسي.

الصين ترى، من خلال سورها التاريخي، كل خارجي بربريا تخشاه بصورة تقليدية، وروسيا لم تحسم ما إذا كان الأوروبيون برابرة أم لا، وأوروبا لا تعرف هل البربري هو الأميركي الأطلسي أم الصيني البعيد أم الجار الروسي الذي نصفه الآخر في سيبيريا. البرابرة هم المشكلة وهم الحل، كتب قسطنطين كفافي.