انتبه.. طرابلس ستنفجر!

TT

لم يعد الأمر محتملاً.. فلا يكاد يمر يوم إلا وينبه مسؤول الى ان طرابلس على شفا انفجار كبير. ولم يعد الأمر يقتصر على مفتي المدينة ونوابها بل امتد ليشمل مسؤولين عربا وأوروبيين. مجلس الأمن نفسه بات أرقاً على طرابلس، وزير خارجية مصر يحذر وفرنسا تنبه، وكل هؤلاء يتكلمون وكأن في الجو أشباح ستنقضّ على المدينة الوادعة لتنهشها، دون أن يوضحوا من هو الضبع الذي يريد ان يبتلع الفيحاء، إلا تلميحاً أو تلويحاً.

وإذا كان فريق 14 آذار واضح الخطاب والاتهام، وغالباً ما يحمّل سوريا وحلفاءها في لبنان وزر كل ما يحدث وسيحدث، فإن أفرقاء آخرين لهم انتماءات متعددة في المدينة وبعضهم قريب جداً من 14 آذار، يشعرون أن الأرض باتت مفخخة بأنواع متداخلة من المصالح والمآرب التي يصعب حصرها في جهة واحدة تتحكم في اللعبة، وهو ما دفع برئيس الوزراء فؤاد السنيورة لتخصيص يوم طرابلسي طويل في السرايا الحكومي استقبل خلاله مختلف فعاليات المدينة وممثليها، واستمع لاقتراحاتهم، علّه يستطيع ان ينزع فتائل هذا اللغم الكبير، الذي باتت تملك كبس أزراره القاتلة، أطراف منظورة وأخرى ليست بالحسبان.

لا يخفي أحد الطرابلسيين الذين زاروا السرايا الحكومي يوم الثلاثاء الماضي، أن الرسالة التي أوصلها وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط أثناء زيارته مؤخراً إلى لبنان، فحواها أن مواصلة التصعيد ضد الأقلية العلوية في طرابلس وعكار، قد تضطر سوريا للتدخل المباشر والعودة إلى لبنان، لذلك فللبنانيين بمختلف فئاتهم، كل المصلحة في عدم توتير الأجواء. وكلام برنار كوشنير المبطن حول طرابلس يصب في نفس الاتجاه. ولا يستبعد المسؤول الطرابلسي القريب من 14 آذار ان تكون سوريا قد أعطت إشارات بهذا الاتجاه، كنوع من الإنذار والتخويف، لحماية الطائفة العلوية والتخفيف من الضغط الواقع عليها، دون ان تكون لها النية او الرغبة في العودة. «لكن في مختلف الأحوال لا يناسب سوريا هذا الهجوم على الطائفة العلوية حد استضعافها، أو تضخيم حالة سلفية أو أصولية على حدودها، لها شبيه سوري على الجانب الآخر، ينتظر الفرصة السانحة لينتفض على السلطة هناك. هذه أمور لا تستطيع سوريا ان تسمح بها أو تحتملها، لذلك على تيار المستقبل وهو الأقوى في الشمال ان لا يفكر بدوافع انتخابية قصيرة النظر، فالوضع أخطر مما يتصورون، وتقسيم الأحزاب المنقسمة أصلاً على نفسها، بات يجعل المسلحين، مجموعات فوضوية في دكاكين يصعب التحكم في طبيعة البضائع التي تتعامل بها». هذا الرأي الطرابلسي لا يختلف كثيراً عما قاله وليد جنبلاط مؤخراً متحدثاً عما أسماه «التطهير الطائفي» وخطورته، وإمكانية ان يستفز سوريا كما حدث عما 1975 عندما دخلت لتفك الحصار عن قرى مسيحية استنجدت بها.

مسؤول طرابلسي آخر من فريق 8 آذار، يوافق على التحليل الأول لكنه يكمله قائلاً: «أخشى ما أخشاه أن يكون الكلام على تدخل سوري محتمل ليس رغبة سورية وإنما استدراج لسوريا للدخول إلى لبنان. فماذا لو كان الحادث الأمني الذي وقع قبل ايام في قرية «الشيخلار» العكارية على مبعدة أمتار من الحدود السورية بين سنة وعلويين، لم يذهب ضحيته قتيلاً واحداً كما حدث، بل عشرة علويين أو عشرين، ماذا كنا نتوقع من سوريا حينها؟ هل بمقدورها ان تبقى متفرجة؟ وإن هي دخلت بقواتها الى لبنان، ألن يعتبر هذا اعتداء على بلد مستقل ذي سيادة، وسيبدأ مجلس الأمن لعبته المعروفة التي شهدناها في العراق، وبعد عدة قرارات دولية، تتخذ ذريعة للانقلاب على النظام السوري، تشن الحرب وندخل في متاهة جديدة. ويكمل هذا المسؤول الذي يشعر بقلق كبير من السياسيين الطرابلسيين الذين يصنفهم بالمبتدئين في السياسة: كثرة الكلام على الفتنة يجعل الفتنة واقعة لا محالة. وأخشى أن يكونوا جميعهم حجارة صغيرة في لعبة كبيرة جداً لا يعرفون، هم انفسهم، ما دورهم الحقيقي فيها. ولا يستبعد ان يكون ثمة استدراج أميركي لعروض الهدف منها قمع السلفيين في الشمال، وإلا فكيف نفسر هذا التضخيم للحالة السلفية؟» ويستدرك: «الإسلاميون في لبنان كله لا يشكلون 20% والسلفيون لا يزيدون عن 3% منهم. ولا أحد اصلاً يستطيع إحصاءهم، وهم ليسوا حالة واضحة ومحددة كما يدّعون، فلم التهويل؟». يقلل المسؤول من أهمية انتشار السلاح بين الناس، ويرى «ان السلاح الفردي كان موجوداً دائماً في لبنان، لكن المأساة الحقيقة هي في التسعير والتهييج، الذي يجعل الاقتتال حتميا إن لم يكن بالسلاح فبالسكاكين، وإلإ فنهشاً بالأسنان». ويتابع وكأنه يصل إلى بيت القصيد: «لنقل ان وضع لبنان لم يستقر بعد، لأن المطلوب هو القضاء على سلاح حزب الله. بمقدورنا ان نقتل بعضنا ما شئنا وأن يحترق لبنان كله، فهذه يسمونها ديمقراطية، أما أن يوجه ضد إسرائيل 40 الف صاروخ فهذا من الممنوعات. وما لم تحسمه إسرائيل بحرب تموز لا تقدر عليه سوى فتنة داخلية».

لكلٍ في ما يتهدد طرابلس رأيه وقراءته، ويكذب من يدّعي انه يرى المشهد بكليته. فلا احد يمتلك هذا الترف الاستراتيجي على ما يبدو. لكن الأكيد ان ما لم يحسم في بيروت يوم 7 أيار وفي الجنوب عام 2006 وربما في العراق وافغانستان، قد حط رحاله شمال لبنان. وفي الشمال عزيزي القارئ، كل العدة اللبنانية الشهية التي تستقطب المتخاصمين الإقليميين، ليجدوا لهم حلفاء يشدون عضدهم، ويقاتلون باسمهم بشراسة. ويختلف اللبنانيون بعد ذلك ـ كما في كل مرة ـ إن كانت حروبهم أهليه أم حروب الآخرين على أرضهم. وهذه نكتة سخيفة وغبية لأنها مثخنة بالدماء البريئة.

[email protected]