زار.. رقية.. طب نفسي!

TT

بعبع الفتنة الطائفية خرج من القمقم وباتت الدول العربية أسيرة الخوف منه والحديث عنه. فالكل لا يزال يتغنى بأن الأمور طبيعية ولا حاجة أو داعي للقلق، وأن ما يحدث ما هو إلا مبالغات وتضخيم من لدن «أجهزة المخابرات الأجنبية وعملائها»، ولكن ما يحدث في لبنان والعراق والسودان واليمن ومصر والكويت والبحرين هو بمثابة مكالمة إيقاظ من العيار الثقيل جدا. ليس واضحا بالتحديد متى دخلت في القاموس السياسي العربي كلمات مثل «الوحدة الوطنية» و«الفتنة الطائفية» و«الاقتتال المذهبي»، ولكنها وبطريقة أو بأخرى أصبحت أمرا واقعا. وهناك من يريد أن يتعامل مع هذا «المس» بأسلوب الزار الشعبي وهو المليء بالشعوذة والدجل، ولكنه لدى البعض هو«تحضير» للحل! وعند الغير يتعاملون بأسلوب الرقية الشرعية، مُركزين على جانب واحد من الحل ومغفلين جوانب أخرى خطيرة ومهمة، وطبعا هناك الاعتقاد بأن «المس» ما هو إلا نوع من أنواع الاضطراب النفسي والاكتئاب الحاد والانفصام العنيف. في جو قاس وملغم وأمام أعداد متزايدة من مجاميع تدعي «وكالتها الحصرية» للرب والدين وأن لديها هي وحدها الحق الوحيد في النجاة، وأنها وحدها هي التي تملك الحقيقة وكل من يخالفها هو مغضوب عليه وفي أسفل نار جهنم.. أمام كل ذلك سيكون الطرح المبني على المشهد الديني وحده غير كاف لإحداث السوية الاجتماعية المطلوبة التي وترت قبلها قارات ودولا وشعوبا ولم يطفئ نيرانها إلا منظومة بنيت على العدالة والحق الاجتماعي ودعمت بقضاء نافذ وفعال. قد تكون جهات أجنبية ومنظمات استخباراتية تساعد وتزكي وتساهم في الصراعات الطائفية والمذهبية والدينية، ولكن لا يمكن أبدا إغفال أن هناك تشريعات وقوانين وممارسات وأعرافا تزكي بشكل أوضح وأهم وتساهم بشكل أوضح وأخطر في إحداث الشروخات الكبرى في الكيان الاجتماعي الواحد، وعلى مدى سنوات كان يتم قبول هذه الممارسات على أنها مسائل عادية ولا غبار عليها حتى بات الإرث التراكمي من هذه الممارسات يشكل هما وتحديا لا يمكن إغفاله، بل حتى أنه تحول إلى خطر لا يقل عن أخطار الإرهاب والبطالة والتضخم والصهيونية والإمبريالية وغيرها من العلل والآفات والمصائب التي ابتليت بها المنطقة. المنطقة العربية لا تزال «مسكونة» بعفاريت الفتن والمذهبية، وهي تحولت مع مرور الأيام والوقت إلى من أصابه السحر الأسود وتعود عليه وبات يدافع عن هذا السحر والعمل السفلي، ويوضح أنه مفيد ومقوٍّ ولا ضرر منه أبدا. ليس معروفا كم من الأرواح يجب أن تزهق وكم من الأبرياء يجب أن يوضعوا خلف القضبان، وكم من المظلومين يجب أن يحرموا من فرصهم الحقيقية للعيش بكرامة وأن يكون لديهم الحق في المساواة في كافة فرص الحياة من توظيف وتعليم وزواج وتدريب وغير ذلك. مشكلة عويصة كالتفرقة الاجتماعية سواء بناء على العرق أو الدين أو المذهب باتت متأصلة ومن أساسيات التركيبة الاجتماعية في العالم العربي، إذا لم يكن هناك مواجهة «قانونية» جادة لها فلتبشر الدول العربية بالمزيد من الدول لأن مصيرها سيكون تمزيق الممزق وتفتيت المفتت.

[email protected]