العلاقة «المتشندقة» مع إيران

TT

كتب الكثيرون عن ضرورة استمرار مد يد التعاون والتفاهم مع إيران الجارة الصديقة، والدولة المهمة في منطقة الخليج، نكتب محاولة لفهم التشنجات الإيرانية المتتالية مقابل الأيادي الخليجية العربية الممتدة عبر الخليج لغلق ملفات ما كان لها أن تبقى مفتوحة لو حسنت نية الطرف الإيراني تجاه غلقها. وإن الواحد ليحتار، ففي وقت تحتاج فيه إيران إلى أكبر دعم في مواجهة هجمة عالمية بسبب برنامجها النووي، وفي وقت تستمر المبادرات العربية الخليجية مظهرة حسن نية تلو أخرى، لعل آخرها زيارة رئيس دولة قطر الشيخ حمد آل ثاني لطهران الأسبوع الماضي، وقبلها دعوة الرئيس محمود أحمدي نجاد للقمة الخليجية الأخيرة التي عقدت بالدوحة، لكن إيران قابلت ذلك كله بإجراءات استفزازية غير مبررة وغير مفهومة في الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها منذ العام 1971م.

ولعل المراقب يضع عدة احتمالات لمحاولة فهم هذه الإجراءات المخالفة للقانون الدولي من جهة، والمعادية لجهود التخفيف من حدة التشنج مع إيران:

1ـ أن إيران محقة في ما قامت به على اعتبار أن الجزر الثلاث جزء لا يتجزأ من أراضيها، ولا داعي لمثل هذه التشنجات الخليجية أصلا لأن ادعاءات دولة الإمارات العربية المتحدة للجزر «مكررة ولا أساس لها من الصحة ومرفوضة» كما صرح الناطق باسم الخارجية الإيرانية. ولعل أي منصف يقبل هذا الكلام يقول إن من مبادئ حسن الجوار أن توافق إيران على «شرح حقها» في هذه الجزر مع جارتها العربية سواء بوجود طرف ثالث أو أطراف أخرى أو حتى من خلال محادثات ثنائية. لكن الرفض الإيراني لمجرد حتى التفاوض ـ أو قل شرح «حقها» ـ في الجزر لا يعكس نوايا حسنة، ولا يندرج ضمن مبادئ حسن الجوار.

2ـ أن إيران تدرك أن الجزر إماراتية، ولكن هلعا وفكرا تآمريا في طهران يرى دول الخليج قاطبة «تُبعا» للولايات المتحدة الأمريكية وضالعين معها في مؤامرة متواصلة للقضاء على الجمهورية الإسلامية في إيران، وبغض النظر عن مثل هذا التبرير التآمري، فإنه لا يختلف كثيرا عن منطق احتلال إسرائيل لجنوب لبنان لعقدين من الزمان بحجة عدم استخدام الفلسطينيين لأراضيه وشن هجمات «إرهابية» على شمال إسرائيل. فالدول لا تحتل أراضي دول أخرى بحجة وقف انطلاق المؤامرات عليها، كما أن مبادئ العسكرية في عالم اليوم تجعل من هذه الجزر عديمة الأهمية في التخطيط العسكري لو شنت الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل هجوما على إيران ـ لا سمح الله.

3ـ أن هذا الموقف الإيراني المتصلب تجاه الجزر دافعه أجندة إيرانية داخلية وعنصرية في نفس الوقت، ففي زوايا من طهران، لا يخفى على المراقب والزائر لغة فوقية آرية عنصرية ضد العرب وكل ما هو عربي، وموضوع الجزر والتشبث بها بهذه الطريقة المخالفة للقانون يندرج ضمن هذه النظرة البغيضة تجاه العرب، وهي نظرة تكسب أصحابها أصواتا في الانتخابات القادمة ـ بل في كل انتخابات إيرانية. وعليه فإن مسألة المزايدة على الجزر هي جزء أصيل من الخطاب السياسي الداخلي الإيراني، وسوف يكون الهجوم من الخصوم نصيب من يطرح مجرد التفكير بالتفاوض ـ وليس التنازل عن الجزر الإماراتية.

4ـ هناك تفسير متشائم ويذهب أبعد من مسألة الجزر الإماراتية الثلاث، وهو لا يختلف كثيرا عن التفكير الإيراني المؤامراتي بأن الجزر ما هي البداية لطموحات إيرانية توسعية، بدأتها في المحمرة في بدايات القرن العشرين، واستمرت بها في الجزر العربية والقرى العربية ومناطق بر فارس، وتمارسها بشكل غير مباشر في العراق اليوم، ولن تتوقف حتى تنفذ «مخططها» لامبراطورية فارس الكبرى التي تصل حتى حدود اليمن!!

علاقتنا بإيران، علاقة شد وجذب، نحرص والعقلاء ـ وهم الأكثر في إيران ـ على إزالة كل ما من شأنه خلق التشنج في سبيل الصداقة، لكننا كلما مددنا يد الصداقة واجهتنا سياسات التشنج، فصارت علاقتنا بإيران علاقة «متشندقة» (متشنجة وصداقة).