خيار الثقة بالنسبة لأوباما

TT

منذ 3 سنوات، رأيت رجلا آخر يراقص جيل؛ زوجة جو بيدن. كان ذلك على ساحة الرقص في فيلا دو إيست على شاطئ بحيرة لاك كومو الساحرة في إيطاليا. وكان بيدن يراقب عن بعد، وتعتلي وجهه ابتسامة عريضة، وأحيانًا ما كان يضحك بشدة عندما كان الرجل يجعل زوجته تدور حول نفسها برشاقة على ساحة الرقص. لقد كان الوقت متأخرًا، وكان الضيوف في هذا المكان ينظرون بشدة إلى هذا الموقف، هذا لأن شريك زوجة بيدن في الرقص كان مشهورًا وذا ملامح معروفة للجميع؛ لقد كان جون ماكين.

أخبركم بهذه القصة لإيضاح أنه إذا كان هناك أي شخص، ومنهم باراك أوباما بالطبع، يظن أن جوزيف روبينيت بيدن بصدد لعب الدور المعتاد لنائب الرئيس، وهو رجل الأكاذيب والأفعال غير المقبولة، فإن هذا الظن بالتأكيد في غير محله. إن بيدن قادر على التلفظ بالتعبيرات غير الملائمة وله الكثير من الزلات، مثل الجمل التي لها نهاية لها، التي تعتبر مثيرة إلى حد ما إلا أنها (حرفيًا) تعتبر غير ملائمة سياسيًا، مثل تلك التي قالها أثناء الحملة الانتخابية الرئيسة لأوباما، حيث قال «إن أوباما ليس جاهزًا بعد» لأن يكون رئيسًا. ومع ذلك فإن التمتع بآداب اللياقة التي كانت في يوم من الأيام من الأشياء المعتادة التي يتمتع بها الأفراد في واشنطن، إلا أنها الآن أصبحت وللأسف تُتخذ على أنها سمة للضعف وقلة الحماسة. إن جو بيدن يعتبر بالفعل رجلا شديد التهذيب.

وباختيار بيدن، يكون أوباما قد وصل بالفعل إلى قلب المؤسسة الرئاسية في واشنطن، خاصة جناح السياسة الخارجية بها.

وخلال السنوات الطوال التي أمضاها بيدن في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، سواء عضوًا أو رئيسًا لها، علم الكثير والكثير عن جميع اللاعبين السياسيين. وفي الحقيقة، فإن بيدن يمثل الموافقة الجماعية على السياسة الخارجية التي يعارضها أوباما وأتباعه، بل إنهم في بعض الحالات يمقتونها. لقد صوت بيدن لصالح حرب العراق، وقد بنى موقفه على المعلومات التي عرفها الجميع في ذلك الوقت، بأن صدام حسين يمتلك أسلحة للدمار الشامل، وهناك حاجة ماسة إلى انتزاعها منه. ثم تراجع بيدن بعد ذلك عن رأيه، وأعلن أنه كان مخطئًا. إلا أن خطأه الثاني تمثّل في توقعه أن الرئيس بوش لن يمضي إلى الحرب.

ومع ذلك، فإنه على الرغم من أن بيدن كان مخطئًا بشأن حرب العراق، إلا أنه كان محقًا في العديد من الأمور الأخرى، ومنها أنه كان يتعين استخدام القوة العسكرية في جمهورية يوغوسلافيا السابقة من أجل وقف عمليات التطهير العرقي التي تحدث هناك. كما أنه كان محقًا أيضًا بشأن مخاطر الانتشار النووي. إن اختيار بيدن يظهر إقراراً ضمنيًا من أوباما بافتقاره إلى ما يملكه بيدن من سجل في السياسة الخارجية. وفي هذا الصدد لم يفعل أوباما عين الصواب، فقد لفت أنظار الجميع إلى الأمور التي يفتقر إليها.

ويعد الالتزام الدستوري الوحيد والأكثر أهمية لنائب الرئيس، هو أن يخلف الرئيس في حالة الوفاة أو عدم الأهلية. ويمكن لبيدن فعليًا أن يقوم بهذا الأمر. إلا أن خبرته في السياسة الخارجية تعتبر لا صلة لها بهذه النقطة. فالرئيس لديه فريق عمل كامل مكرس للأمن القومي، ومستشار خاص للأمن القومي، والذي يمكن له بناء على قرار الرئيس، أن تكون له الكثير من الصلاحيات أكثر من وزير الخارجية نفسه.

كلا، لقد اُختير بيدن لأنه في النهاية يُرضي رغبة أوباما الواضحة ـ حتى وإن كان ليس في حاجة لها ـ في إعادة طمأنة هؤلاء الذين يتشككون في شبابه، وعرقيته، وسلوكه، وطفولته المتنقلة، ليقول لهم: إنني جدير بالثقة، وحكيم، وعميق التفكير ومراع لاهتمامات الآخرين. كما أنني كنت رئيسًا لمنظمة «هارفارد لو ريفيو» (وهي منظمة يديرها الطلبة تنشر صحيفة عن المنح التعليمية في القانون)، وفيها كان يتم التعبير عن الآراء بصراحة وصوت عال. وفي موضعه هذا، لا يحتاج أوباما إلى شخص مثله، بل يحتاج إلى آخر له أساس وجذور أقوى.

وبالنسبة لأوباما فإن خطورة اختيار بيدن تكمن في أنه، عاجلاً أم آجلاً، سيُحيد تلك الحملة الانتخابية عالية الانضباط لأوباما عن مسارها. فقد استبدل بيدن الضعف التقليدي والواضح للساسة بالثرثرة وكثرة الكلام. وفي رد على هذا العمود الصحافي، دعاني بيدن وأخبرني بما يريد أن يقوله. فقد شكرني على ما قلته في عمودي الصحافي.. وأنه بحاجة إلى أن يتم إخباره دائمًا بالحقيقة.. فهذا الأمر يعتبر في صالحه.. وبالرغم من صعوبة هذه الحقيقة على النفس، إلا أنها في النهاية الشيء الذي يحتاج إلى معرفته.. وبالطبع فإن لديه أسبابه للمضي في هذا طويلاً، وكان هذا الأمر خلال جلسة التأكيد على اختيار صامويل أيتو قاضي المحكمة العليا. وقد كانت لديه الكثير من الأشياء التي يريد قولها.. والنقاط التي يريد أن يطرحها.. وقد كنت محقًا، فقد أمضى وقتا طويلا للغاية في ذلك الأمر، وهو بحاجة فعلية إلى أن يفعل شيئًا حيال ذلك (كثرة الكلام)، وقد كان من الجيد لي أيضًا أن أوضح له هذا الأمر.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»