بيئة لبنان ثروة لا تقدَّر بثمن

TT

يوماً بعد يوم تكبر التحديات للحفاظ على البيئة في لبنان، ولعلّ أبرز الاخطار التي تتهدّد ثروتنا الطبيعية هي الحرائق التي تلتهم غاباتنا الخضراء متنقلة بين منطقة وأخرى بغض النظر عما اذا كانت هذه الحرائق طبيعية أو مفتعلة أو مسببة بالاهمال وغياب التوعية واللامبالاة. وكنا في وزارة البيئة نأسف لرؤية الوسائل التقليدية المستخدمة في إطفاء الحرائق التي تلتهم احراجنا، وهي وسائل متواضعة وليست بحجم الكارثة مع تسجيل كل تقديرنا لتضحيات الدفاع المدني ولطوافات الجيش اللبناني مع أملنا واصرارنا على تطوير هذه القدرات وتعزيزها عدة وعديداً وشراء طوافات مختصة بإخماد الحرائق لمواجهة ما نواجه وما قد نواجهه في المستقبل من خطر يهدّد النسبة القليلة المتبقية من غاباتنا واحراجنا.

وبعد اندلاع الحرائق بوتيرة غير اعتيادية في خلال السنتين الماضيتين والتي أتت على مساحات هائلة من المواقع الحرجية والزراعية في مناطق لبنانية مختلفة، جرت متابعة في وزارة البيئة للنتائج السلبية للحرائق وتمّ وضع اقتراحات عملية للتصدي لهذه الحرائق ومعالجة آثارها السلبية على الاحراج والغابات، وشارك وزير البيئة في لجنة وزارية لمواجهة الحرائق الطارئة برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء الدفاع الوطني والداخلية والبلديات والزراعة مهمتها وضع مقترحات للاجراءات والتدابير الواجب اتخاذها لمواجهة هذه الحرائق، وكذلك اقتراح التدابير الواجب اعتمادها لمعالجة آثارها ومتابعة اعمال اللجنة الادارية الفنية للوقاية من حرائق الغابات والرقعة الخضراء في لبنان المؤلفة بقرار من رئاسة مجلس الوزراء الرقم 118\2007 والتي يترأسها المدير العام لوزارة البيئة الدكتور بيرج هتجيان وتضم ممثلين لوزارة الدفاع ـ قيادة الجيش، وزارة الداخلية والبلديات ـ المديرية العامة لقوى الامن الداخلي والمديرية العامة للدفاع المدني، وزارة الزراعة ـ المديرية العام للزراعة، مجلس الانماء والاعمار، الهيئة العليا للاغاثة، ومستشارا اعلاميا من رئاسة مجلس الوزراء وجمعية الثروة الحرجية والتنمية. وقد خلصت المقترحات أولاً الى إنشاء غرفة عمليات مركزية مشتركة بين الجهات المعنية كافة بالوقاية من الحرائق ومكافحتها تعمل على مدار السنة، وتهدف الى التدخل السريع والفعال للمؤسسات المعنية بعد إجراء التقييم المناسب لدرجة الحرائق. وتضم هذه الغرفة ممثلين للادارات المعنية بمكافحة حرائق الغابات لاسيما وزارة الزراعة وقيادة الجيش اللبناني والمديرية العامة للدفاع المدني وجمعية الثروة الحرجية والتنمية. ثانياً تحريك موارد مالية على شكل هبات من المجتمع الدولي لتأمين التجهيزات اللازمة لعناصر الدفاع المدني والجيش ومأموري الاحراج التابعين لوزارة الزراعة والمتطوعين وتزويدهم بالاجهزة الاساسية لمكافحة وادارة الحرائق وبناء القدرات المناسبة من خلال برامج التوعية وتطوير المهارات وتنظيم دورات تدريبية واعادة التحريج بأغراس من الصنوبر المثمر وإنشاء مشاتل زراعية. كما جرى بحث في تأهيل طوافات «بوما» العائدة للجيش اللبناني والتي تبيّن أنها تحتاج الى مبالغ باهظة، اضافة الى فتح حوار مكثف مع البلديات لتحديد امكانياتها وحاجاتها من تطوير قدرات الموارد البشرية الى وجوب صيانة الاحراج ومراقبتها كونها تشكل رادعاً اساسياً لانتشار الحرائق وتوفير البنى التحتية اللازمة والمعدات لمكافحة أي حريق. ومن نتائج اعمال اللجنة صدور تعميم عن النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا يطلب فيه من النيابات العامة الاستئنافية أن يصار الى تكليف المفارز القضائية المعنية لمتابعة التحقيقات التي تباشرها وحدات الدرك الاقليمي في حوادث اندلاع الحرائق بهدف التوصل الى نتائج محددة.

إن موضوع الحرائق هو من أكبر الهموم لدينا في وزارة البيئة التي أجرت إحصاءات تحليلية لمساحة الحرائق فوجدت أنها أكثر من 5200 هكتار في خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد تمّ العمل على تحريج 19 موقعاً تعرضت للحرائق وزُرع حوالي 22 الف غرسة من اشجار الصنوبر المثمر. والعقبات التي تعترض العمل ليست فقط مادية بل بشرية أيضا، وإن التصور المالي لتأمين حاجات التدريب وبناء القدرات يقدّر بمبالغ باهظة.

ولكن انطلاقاً من مسؤولياتنا في وزارة البيئة، فنحن لن نتهرّب من مواجهة كل ما يعرّض بيئتنا للخطر سواء عن طريق الحرائق أو المرامل والمقالع والكسارات أو النفايات الصلبة أو تلوث الماء والهواء. وإننا نعتبر أن النصوص والدراسات التي تضعها الوزارات والهيئات الاهلية والمدنية مهمة جداً لرسم خريطة طريق تحدّد السبل الكفيلة بالوقاية والحد من أخطار الحرائق والتلوث، لكن الدراسات وحدها لا تكفي إن لم تقترن بتحرك ميداني على الارض أولاً للوقاية من أي خطر بيئي وثانياً لازالة الضرر واعادة صيانة المواقع التي عملت فيها الكسارات تخريباً وألسنة النار حريقاً والنفايات تلويثاً. ولذلك فإننا دعونا الجمعيات البيئية ولجان المحميات الطبيعية واتحاد الكشافة اللبناني ومؤسسات السياحة البيئية ونوادي المشي في الطبيعة الى المشاركة في «المؤتمر الوطني الدائم للبيئة» الذي من اهدافه تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتعاون في وضع خطة وطنية للحفاظ على الارث الطبيعي في لبنان، وعلى الثروة التي لا تُقدّر بثمن، وتحويل الجمعيات البيئية المنتشرة على مختلف الاراضي اللبنانية الى عيون ساهرة على البيئة وإبلاغ الوزارة بكل مخالفة بهدف معالجتها ومكافحتها.

* وزير البيئة اللبناني