الإنسان المهذب و(الحَوَنشي)

TT

سألني: هل أنت رجل مهذب؟!

تعجبت من سؤاله المحرج هذا، لكنني أجبته قائلا: إلى حدّ ما (نعم)، وإلى حدّ ما كذلك (لا).

أعاد سؤاله بصيغة أخرى أكثر سماجة قائلا: كيف؟!

قلت له: هذا يتوقف على مَن أتعامل معهم، فإذا كان ذلك الجنس من بنات حواء أبدعت لهن من صنوف التهذيب ما (يسحسح) ويدغدغ العواطف، وأنت تعرف أن (الغواني يغرّهن الثناء)، أما إذا كان ذلك الصنف ـ والعياذ بالله ـ من بني آدم، فإنني لا شعورياً أتلفع أو أتلحف برداء الحذر والشك والريبة، وأتعامل معهم كما يتعامل المدّعي العام مع المتهم حتى تثبت براءته.

قال: إذن اسمح لي أن أصفك بالرجل المنافق.

أجبته: صدقت، وأبصم لك بأصابعي التسعة أو العشرة أو الأحد عشر، لكن نفاقي إنما هو نفاق محترم وعلى قدر كبير من (الشياكة).

سألني بعدها سؤالا أكثر خيابة وقال: اثبت لي ذلك.

قلت له: لكي أدلل لك على مدى تهذيبي فقد سبق لي أن أهديت كتاباً لامرأة ما، فظلت تلك المرأة (اللزقة) تلاحقني بتشكراتها أكثر من خمس سنوات كاملة، بالرسائل والتليفونات، ولم ألتق بها في أي مناسبة إلاّ وتذكرني (بجنتلتي) وبإهدائي لها ذلك الكتاب، وكأنني أهديت لها (التاج البريطاني)، ولم أفتك وأنعتق من تلك التشكرات إلاّ بعد أن انتقلت هي إلى الرفيق الأعلى ـ يعني ماتت وريّحت وارتاحت ـ.

وهي تختلف (180) درجة عن رجل ذكرت له عرضاً وأنا أمزح بأنني أحب أكل (الجرجير)، وإذا بذلك الرجل (الثور) يبعث لي في ثاني يوم على منزلي كرتوناً كبيراً ممتلئاً بالجرجير، وكأنني تيس لا همّ له إلاّ أن يتعلّف، ولم يتوقف عن ذلك إطلاقاً، بل إنه استمر على هذا المنوال يبعث به لي كل أسبوع تقريباً، وآخر كرتون وصلني منه كان قبل يومين، والآن لو أنك سألتني ماذا تكره في الدنيا من نبات، لقلت لك إنه (الجرجير)، ولا أنسى ذلك الرجل السخيف الذي أجبرني على كراهيته.

قال لي: صحيح (ما يثمر فيك معروف).

قلت له: هل تريدني أن أكذب؟!

قال: لا، لكن تأدب على الأقل يا أخي.

عندها ما كان مني إلاّ أن أمسك بزمام المبادرة وأسأله: لو أن هناك صورة جماعية التقطت لك مع بعض الناس، وقدمت لك، فما هو أول وجه تنظر له في تلك الصورة؟!

قال: طبعاً وجهي.

قلت: معنى ذلك أنت أحمق وأناني ومغرور، أنت بعكسي تماماً، فأنا أنظر في وجوه الآخرين فقط لكي أتصيد قبحهم وبشاعاتهم، وأتهكم بيني وبين نفسي على غبائهم، ولا أنظر لوجهي أبداً، لأن النتيجة والحكم معروف سلفاً، وهل (ليوسف الحسن) أن يكون لديه ذرة شك بملاحته (وكريزميته)؟!

وما أن ذكرت له ذلك وانتهيت من كلامي، حتى أخذ يتفرّس بملامح وجهي من فوق لتحت، وعلامات الامتعاض والقرف تتشكل على تقاسيم فمه وأنفه.

عندها عاجلته لكي أقفل الموضوع قائلا: هل عرفت الآن كيف أنني أحياناً إنسان مهذب، وأحياناً إنسان (حَوَنشي)؟!

[email protected]