بل نخلع الأحذية احتراماً للعلم!

TT

من خمسين عاماً رأيت الناس في جاكرتا عاصمة اندونيسيا يخلعون الأحذية عند باب السينما عندما تعرض فيلماً إسلامياً مصرياً.. وكان الرقيب يحذف كل مشاهد القبلات والعناق في هذه الأفلام حتى لا تصدم الشعور الديني عند الناس.. ولا أعرف الآن من هو ذلك المسؤول السخيف الذي منعنا من خلع أحذيتنا عند مدخل «المكتبة الفاروقية» في بلدنا المنصورة!

فقد كان ذلك شعورنا العام بأن المكتبة مكان عظيم الاحترام.. أو أن الاحترام العظيم كله للكتب ولطالب العلم.. فالعلم دين.. والدين علم.. ولم يكن أمين المكتبة الفاروقية في حاجة إلى أن يشير بيده من بعيد بأن نسكت.. لم يكن في حاجة إلى ذلك.. فقد كنا إذا أراد الواحد أن يأكل السندويتش بعد أن طالت ساعات القراءة أن يخرج ويقف على السلم أمام الباب.

وعندما انتقلت إلى جامعة القاهرة كانت هناك أربع مكتبات في وقت واحد: مكتبة الجامعة ومكتبة الدراسات الشرقية وكان أمينها هو والد الفنانين محمود وعلي رضا وكان رجلا وقوراً عاشقاً للكتب وكنا عشاقاً له.. وهناك تحفة تاريخية هي «دار الكتب» العتيقة العريقة.. ثم مكتبة «الدير الدومنيكي» حيث أساتذتنا الأجلاء من الرهبان: الأب جورج قنواتي والأب بولانجيه. آه لو رأيت الأب قنواتي وهو يقدم لنا الكتب ويقبلها ويضعها في مكانها.. كأنه جواهرجي يعرض عليك مشغولات من الذهب المرصعة بالماس واللؤلؤ.. فعيناه وأصابعه مضيئة والكتب أيضاً.

وعندما نذهب إلى بيت العقاد كنا نتحايل حتى نرى مكتبته، وكنا نختلف هل بها مائة ألف كتاب أو خمسون ألفاً.. ولما توفي العقاد لم يكن بها إلا ألفان.. فقد باعها العقاد في ظروف مادية صعبة!

ولكن كنا نراها ونراه أعظم ما في هذه الدنيا..

إن أطفال وشباب هذه الأيام أحسن حالا منا، فعندهم المكتبات في كل عواصم المحافظات.. عندهم الكتب والجمال والهدوء وتشجيع الدولة.. فلا عذر لأحد ألا يقرأ.

وسوف يذكر التاريخ للسيدة سوزان مبارك دورها الريادي بمصر في إنشاء المكتبات وتشجيع الطفل والشاب على القراءة. وبغير القراءة لا تقدم ولا مستقبل عظيم لأي أحد ولأية دولة!