السعوديون في موسكو والأميركيون في ليبيا!

TT

قال لي صاحبي، سبحان الله العالم قد تغير بالفعل. ما نراه أقرب الى السريالية، اللامنطقية، أشهر مسؤول سعودي في واشنطن، سابقا، الأمير بندر بن سلطان يلتقي مع الرئيس الروسي بوتين مرتين في شهر واحد، والوزيرة الأميركية كونداليزا رايس شخصيا في ضيافة العقيد معمر القذافي في ليبيا، والسوريون في مفاوضات مع الإسرائيليين.

لأنني كتبت قبل أيام عن العالم الواقف على رجل واحدة، عالم اللاقطبين، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وجدت الصورة اكثر وضوحا. صار كل طرف يبحث عن مصالحه بعيدا عن الحسابات القديمة. والحق أن العاهل السعودي الملك عبدالله بعد مبايعته ملكا اختار ان يسافر شرقا باتجاه الصين وروسيا، لا أوروبا وأميركا، كما كان المألوف.

أيضا بالنسبة لليبيا، لم يكن يخطر في بال أحد ان يأتي اليوم الذي يمكن ان تجلس طرابلس وواشنطن في خيمة واحدة، حتى وان حلت المصالحة.

ونبش ذاكرتي بشكل أكثر وضوحا كتاب الزميل غسان شربل، الصندوق الأسود، الذي جمع فيه مقابلاته المميزة، والذي صدر حديثا. أهمية الكتاب انك ترى بوضوح كيف كان عالمنا يعيش، زمن ما قبل تنظيم القاعدة وبن لادن، عندما كان «الإرهاب» هو وديع حداد، وكارلوس، وجورج حبش، وغيرهم من الرموز التي لعبت الدور الأبرز في حقبة السبعينات وبعض الثمانينات. طائرات تخطف، وسفراء يغتالون، وتفجيرات في عقر الحكومات الغربية. عمليات لا تقل إثارة عن افعال القاعدة، مثل اختطاف وزراء أوبك وخطف وتفجير ثلاث طائرات دفعة واحدة في مطار عمان، وهكذا.

المعسكرات الدولية آنذاك، بين سوفييتية واميركية، اعطت الحماية للجماعات المسلحة ضد بعضها البعض. كانت السلطات تحاول ملاحقة التنظيمات أفرادا، إلا انها لم تجرؤ على ضرب الدول الراعية لها، أو التي تستضيفها على أراضيها، مثل اليمن الجنوبي وسورية. كان الخاطفون ينقلون بالطائرة، كما فعلوا في عملية وزراء البترول في أوبك، الى مطار الجزائر، وينعمون باستقبال رسمي، وينقلون الى فندق خمس نجوم حيث يستحمون ويغتسلون من الدم ويأكلون أفضل الوجبات، ولا يستطيع أحد أن يصل اليهم. اليوم سقطت تلك الحمايات، وصار ممكنا خطف زعيم دولة او محاكمته، والدخول في كهف الإرهابيين من دون إذن الدولة المستضيفة.

لكن لا بد أن نقول رغم هذا فإن العالم بات أوسع وأفضل اليوم، حيث يقرر كل طرف ما يناسبه ويخدم مصالحه. فاذا كان السعوديون يرون في موسكو وبكين مصالح وتوازنات ضرورية، يستطيعون أن يفعلوا. كما ان الاميركيين لا يستطيعون ادعاء الفضيلة، حيث يسامرون ويتاجرون مع خصوم الماضي، الذين فجروا طائراتهم واستهدفوا مواطنيهم. كل ذلك اصبح من الماضي الذي نريد أن ننساه إن كنا نستطيع. لكن الدول مثل البشر لا تتغير كثيرا. لا أتخيل ان تصبح للسعودية سياسة ثورية لأنها صارت قريبة من موسكو وبكين، ولا لليبيا سياسة محافظة معتدلة لانها تستضيف رايس وديفيد ولش في خيام العزيزية.

[email protected]