ما بعد الجريمة

TT

توابع زلزال اتهام رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى بالتحريض على اغتيال المطربة اللبنانية سوزان تميم وإيداعه السجن وإحالته للتحقيق والمحاكمة لا تزال تتواصل وتؤثر على مناخ الأعمال في بلده وخصوصا أنه بعد الإعلان عن هذا، توجهت السلطات المصرية باتهام رجل أعمال آخر من الوزن الثقيل، وهو محمد فريد خميس، بتهمة الرشوة بحق أحد القضاة. والشيء المهم واللافت أن الرجلين نائبان في البرلمان المصري ولديهما الحصانة البرلمانية ومن أهم رجال الحزب الوطني. وهناك إشاعات قوية جدا ترجح الإعلان عن بد إجراءات التحقيق بحق شخصية ثالثة نافذة أيضا من وسط رجال الأعمال بمصر. من الواضح أن الحكومة المصرية ارتأت «فتح» ملف رجال الأعمال والتضحية ببعض الرؤوس الكبيرة، والتي كثر الحديث في الشارع عن قوتها وسلطتها ونفوذها ومصادر مالها وأسرار ثرائها السريع جدا، وصعودها في سلم «التأثير» غير القابل للتفسير، وقد تحقق هذه «التضحية» مكاسب سياسية في الشارع الشعبي وتصالح الحكومة مع الناس ولو بشكل مؤقت وسريع. وتفتح هذه القضايا ملفا أهم وأخطر وهو علاقة السلطة والمال في العالم الثالث عموما والعالم العربي منه تحديدا في ظل وجود العديد من الأمثلة «الصارخة» للمخالفين والمستغلين أمثال رئيس وزراء تايلند الهارب والمتهم بالفساد، ورئيس حزب الشعب الباكستاني آصف زارداري، زوج رئيسة وزراء باكستان الراحلة بي نظير بوتو، ورئيس الجمهورية الحالي، وهو الذي قضى عقوبة بالسجن جراء تهم فساد ورشاوى. عربيا تسبب رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في تكوين «عقدة» نفسية وسياسية بامتياز لدى شريحة غير بسيطة من رجال الأعمال العرب، فالكل بات شغوفا بالوصول الى كرسي السلطة سواء أكان ذلك عن طريق وزارة أو في حالة الإمكانية الدستورية فلا مانع من رئاسة الوزراء. و«الطموح» هذا بات مألوفا في أكثر من موقع، فمن المغرب الى لبنان الى الأردن الى البحرين الى الكويت الى السعودية الى مصر الى اليمن الى السودان الى الإمارات الى العراق الى سورية لا يزال الكرسي أكثر العناصر جذبا وإغراء لرجل الأعمال، فالسياسة والسلطة تحديدا هي أكثر المسائل إثارة بالنسبة للرجل كما شبهها في يوم من الأيام وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر. خطورة هذه الأزمة أنه بالرغم من ضرورة «تشريح» وضع رجال الأعمال مع رجال السلطة وفض الاشتباك ما بين المال والسياسة ومنع التداخل المضر وتضارب المصالح المدمر، إلا أن الخطر المقلق هو أن يتحول قطاع رجال الأعمال الى قرابين «مناسبة» وسهلة ومضمونه لإرضاء الناس والعامة لصالح النظام وإغفال قطاعات أخرى تحققت لها استفادات أهم وأعظم وأخطر دون محاسبة مثل رجال العسكر أو رجال الدين أو رجال القبيلة مثلا. سواء أكانت تداعيات سقوط رجال الأعمال في شراك المحاسبة والمسؤولية والمساءلة مدروسة بعناية ومخططا لها مسبقا، أو عن طريق ضغوطات خارجية من دول صديقة وشقيقة، أو جاءت من باب الصدفة البحتة، فإنها فرصة كبيرة لتصحيح أوضاع شاذة تسببت في نقمة عامة خطورة استمرارها أنها تكون إساءة تضر بالجميع.