ليست كارثة مصر وحدها

TT

كم هي مؤلمة مشاهدة صور ضحايا الانهيار الصخري في منطقة الدويقة الشعبية في شرق القاهرة، ومحاولة إنقاذ من هم تحت الأنقاض يستغيثون طلبا للنجدة، ورؤية ذويهم والألم يمزقهم.

لكن المؤسف هو أن الأحزان تمر بنا، وتعودناها، بكاء ساعة، وصراخ يوم، ومناكفة سياسية لمدة أسبوع، وبعد ذلك ينفض المولد حتى تحل بنا كارثة جديدة، على غفلة، لأننا لا نكترث بالكوارث، قدر ما أننا نجيد الصراخ.

فمن يصدق، وهذا مثل بسيط جدا، أن الإخوان المسلمين الذين يتباكون اليوم على ضحايا الانهيار الصخري، في منطقة الدويقة الشعبية في القاهرة، هم أنفسهم، أي الإخوان أصحاب العشوائيات الفكرية، الذين شغلوا الدنيا بفيلم «حين ميسرة» الذي كشف واقع العشوائيات وخطورتها من حيث الجريمة والإرهاب، وتداعي الاخلاقيات، اذ أهملوا مضمون الفيلم وتمسكوا بلقطة هنا ولقطة هناك.

لذا فالوعي بخطورة العشوائيات، في بعض الدول العربية، لم يصل إلى درجة تضع تلك المناطق على قائمة أولوياتنا. وهذا أمر طبيعي طالما أن بيننا من يتاجرون بأحزان الناس، من دون أن يكترثوا عن حق بهمومهم.

المناطق العشوائية ليست كارثة مصرية فقط، وإن كان نصيب مصر منها كبيرا نظرا لارتفاع عدد السكان، فبحسب جريدة «الاهرام» المصرية تشير الاحصائيات إلى أن عدد المناطق العشوائية بلغ قرابة ‏1221‏ منطقة منتشرة في محافظات مصر‏، وأن القاهرة وحدها بها قرابة ‏81‏ منطقة عشوائية،‏ وأن حوالي ثمانية ملايين نسمة يعيشون في تلك العشوائيات التي تحتل ‏45%‏ من مسطح القاهرة‏!‏

ومع ضرورة التوضيح بأن أزمة المناطق العشوائية دولية، إلا أن خطرها يتهدد جل دولنا العربية، في مصر والسعودية، والإمارات، واليمن، والجزائر، والمغرب، وقطر، وغيرها. والمقلق أن حجم إدراك خطورتها يتفاوت بين دولة وأخرى في عالمنا العربي.

المناطق العشوائية خطر على ساكنيها، وعلى أمن أوطاننا. فالقضية أكبر من معاناة فقراء، أو متخلفين غير نظاميين. إنها مشكلة انعدام شروط السلامة، والصحة، والأمن، وهي مرتع للجريمة بأنواعها.

فالمناطق العشوائية تآكل مستمر للمدينة، وبنيتها التحتية، حيث أن المناطق العشوائية خارج نطاق الاحصائيات، وخارج مساحة المؤسسات التعليمية، والصحية، وتحت خط الفقر. سكان المناطق العشوائية هم بشر داخل الدولة، لكن خارج نظامها، غير موجودين في نظامها الأمني، أو الصحي، غير موجودين على خارطة الخدمات بكل أنواعها.

فالمناطق العشوائية تشكل بؤرا للجريمة المنظمة، من قتل، وسرقة، ومخدرات، ومفرزة للإرهاب، حيث الحياة البائسة التي تتشكل بمنأى عن المجتمع، وخارج سياق تطوره الطبيعي، إذ تتحول كثير من المناطق العشوائية إلى مناطق يصعب على رجال الأمن أحيانا دخولها، ناهيك من دخول فرق إنقاذ لإسعاف المحتاجين والمتضررين، فالعشوائيات أحياء شكلت نفسها بنفسها من دون تخطيط مدني لشبكة الطرق أو خلافه.

وما لم تشرع الدول العربية في الاهتمام بالمناطق العشوائية، وتقوم بعمل شجاع تجاه المقيمين غير النظاميين، بحيث تنصف من يستحقون الإنصاف، وتنظم اقامة من يستحقون الإقامة، مع الشروع في مشاريع تحد من الهجرة المتسارعة لأبناء القرى إلى المدن، فسوف تواجه دولنا العربية كوارث قادمة، فالمناطق العشوائية قنابل موقوتة.

[email protected]