هو يرى أنه أعظم الناس

TT

لم نكن نعلم معنى هذه الأبيات التي وضعها أمين «المكتبة الفاروقية» بالمنصورة في برواز فوق رأسه.. ولا كنا نعرف كيف نقرأها. وكان يلفت نظرنا إليها ويبتسم.. ولم نحاول أن نستوضح معنى الإشارة ولا معنى هذه الأبيات ولا حتى من هو «المتنبي» الذي قال هذه الأبيات..

ولكن عرفنا بعد ذلك ومتأخراً جداً، أن المقصود بهذه الأبيات هو الشاعر نفسه.. وكان أمين المكتبة يرى أن القراء والباحثين والعلماء هم الذين يشعرون بهذه المعاني.. ومعه حق. فليس أعظم من الكتاب ولا أروع من العلم ولا أمتع من القراءة.. ولا أكثر احتراما من شاب أمسك كتاباً وانشغل به عن الدنيا.. فالكتاب هو الدنيا.. والعلم هو نعيم الدنيا، وأمل الحياة ووسيلتها لأن تكون أفضل.. فلا تقدم إلا بالكتاب تقرأه أو تؤلفه..

أما الأبيات التي كانت في برواز فوق رأس أمين «المكتبة الفاروقية» فتقول.. ولم نفهم تعظيم وإجلال الشاعر لنفسه إلا أخيراً:

«أي محل أرتقي

أي عظيم أتقي

وكل ما خلق الله

وكل ما لم يخلقِ..

محتقر في همتي

كشعرة في مفرقي»!

يا ساتر، إن المتنبي يقول إنه أعظم من أية مكانة، ومن أي عظيم، ومن خلق الله جميعاً.. كل هذا لا يساوي شيئاً. فهو الذي يساوي كل شيء..

وكان أمين المكتبة يؤكد لنا برفق وفي أدب، أننا لسنا كذلك.. ولا يمكن أن نكون كذلك إلا.. إلا إذا قرأنا لهذا الشاعر وغيره من العظماء ومن الأدباء والعلماء وكنا جادين صابرين.. وسوف نكون مثلهم أو أفضل.. فإذا تحقق لنا شيء من ذلك، فإن أي مكان نرتقيه سوف ننتقل منه إلى ما هو أعلى، وأي عظيم نقرأ له أو عنه سوف نصبح أعظم منه..

وليس من الضروري إذا ارتفعنا أن نحتقر الناس.. فكلما قرأنا فسوف نبقى صغاراً أمام الكثير والكبير جداً الذي لم نقرأه بعد.. فالعلماء هم أكثر الناس تواضعاً لإحساسهم الدائم بأن الذي يعرفونه قليل.. وأنهم دائماً على شاطئ من محيط مجهول..

ولكن الطريق إلى أعلى يبدأ من هنا.. فالمكتبات هي قواعد إطلاق الصواريخ إلى سماوات المعرفة التي لا نهاية لها!