ناصر تفوته التورية

TT

ذكرت في مقالة سابقة أن بعض الحكام قلما ينكتون أويتذوقون النكتة. وهذا ما يؤيده فتحي رضوان في مذكراته عن عبد الناصر. قال إنه لم يكن حاضر البديهة في هذا الميدان. ولكنه بين الحين والآخر كان يروي شيئا من الفكاهات يتصور أنها تدعو للضحك. ثم يجد أنه الوحيد الذي ضحك على ما روى. استشهد رضوان بشيء من ذلك فقال إن عبد الناصر جاء يوما بدستور الصين للتفكير في اقتباس شيء منه. فقال له: ولكنه سهل الكسر.

لم يفهم عبد الناصر رحمه الله التورية فسأله: «ليه سهل الكسر؟»، واضطر مستشاره أن يشرح له الفكاهة: «لأنه صيني». ومع ذلك فلم يضحك.

لا أدري إذا كان روفائيل بطي، الصحافي والسياسي العراقي المعروف، قد فهم التورية التي تضمنتها برقية صديقه في السفارة العراقية في ألمانيا. كان روفائيل بطي يصدر صحيفة عرفت بـ«البلاد» ويمثل أفكار المعارضة العراقية. بيد أن نوري السعيد استدعاه وأسند اليه منصبا وزاريا، فلم يتردد في قبوله. آه من المناصب كم أغرت من زعمائنا وساستنا! لا شك أنها أفسدت من الرجال أكثر مما أفسدته القيان. باشر في عمله وزيرا في الحكومة الموالية للإنجليز واضطره ذلك طبعا الى التنحي عن رئاسة تحرير جريدة «البلاد». فبعث اليه صديقه بهذه البرقية من ألمانيا:

«نهنئكم على منصبكم الجديد ونعزي البلاد على ذلك».

تشرذم العراق الى فئات وكتل متنازعة بعد ثورة عبد الكريم قاسم ودخل البلد في نزاع شديد مع مصر بشأن الوحدة العربية. راحت قنوات الإعلام المصري تسخر من الزعيم الجديد بتسميته «قاسم العراق».

أدى الأمر في الأخير الى وصول صدام حسين للحكم. وأخيرا اجتاحت القوى الغربية العراق بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل. انتهت الغزوة بسقوط النظام البعثي واحتلال البلاد. عاد أحد كبار الضباط الأمريكان الى بلاده ليصرح ويقول: لم نعثر على الأسلحة ولكننا عثرنا على الدمار الشامل.

بيد انني وجدت من أطرف المداعبات اللغوية البليغة ما فعله رئيس الوزراء العراقي ياسين الهاشمي في مطلع تأسيس المملكة العراقية. لم يكن كثير من الناس يعرفون بعد كيف يلفظون اسم مملكتهم فكانوا يلفظونه بضم العين خطأ. وكان منهم ياسين الهاشمي. كثيرا ما وقع بذلك في المجلس، تحداه يوما احد النواب فقال له «أنت تتكلم عن العراق واستقلال العراق وشعب العراق وأنت لا تعرف حتى كيف تلفظ اسم العراق فتلفظه بالضمة وتقول: عُراق». ضج المجلس بالضحك. غير أن رئيس الوزراء وقف ورد عليه قائلا: «أنا أقول العُراق بضم العين، ولا أقول العِراق بكسر العين، لأنني أحب أن أرفع عين العراق».

ودوى المجلس عندئذ بالتصفيق.

www.kishtainiat.blogspot.com