طبيعي أن يتجسسوا على المالكي

TT

لا يحتاج الأمر الى أن يأتي الصحافي القدير بوب وودورد ليكشف السر، إن الاجهزة الامنية الاميركية تتلصص على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. الأمر، كما يقال، تحصيل حاصل، ومتوقع سلفا. متوقع ان يسعى الاميركيون لمعرفة ما يدور في بيوت القرار العراقي، بدءا بدار الرئيس جلال الطالباني الى مكتب وزير المالية. وإنْ لم يفعلوا فهذا يعني ان الاميركيين أكثر غفلة مما نحسبهم، ولا يؤدون الدور المتوقع منهم.

تخيلوا ان الولايات المتحدة تنفق ثلاثمائة الف مليار دولار، وتعرض حياة اكثر من مائة وثلاثين الفا من جنودها في تثبيت الوضع لصالح نظام يفترض ان يكون صديقا ثم لا تعرف ما يدور في داخل مكاتبه. هناك شبه إجماع على أن الاميركيين اثبتوا مرة بعد مرة سذاجتهم في تعاطي شؤون المنطقة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث كان الامر سهلا حينها بسبب النزاع الدولي، بفرز الصديق من العدو. اليوم ليس واضحا ولا هينا ان يعرفوا من هو الحليف، حيث تظهر امامهم قطعان بعضها ذئاب في ثياب الحملان. تخيلوا ان يكتشف الاميركيون، وبعد خروجهم، انهم سلموا الحكم للخصوم ظنا أنهم اصدقاء، بسبب فشل الاستخبارات في تقصي الحقيقة خلف الابتسامات ووراء الجدران. حينها ما العمل؟ هل يحشدون قواتهم من جديد لإسقاط نظام المالكي الذي حشدوا كل ما في مستودعاتهم لإيصاله ثم حمايته؟

من المعروف أنه لولا الحماية الامنية الاميركية المعقدة التفاصيل لربما ما استطاع الرئيس ورئيس الوزراء وعدد من القيادات السياسية العراقية رؤية الشمس تشرق عليهم في اليوم التالي. فالحماية تعني أيضا مراقبة المقربين منهم، والعاملين معهم، والساكنين في جوارهم، وحماية الاجواء لمواكبهم وطائراتهم، والتنصت على ملايين المكالمات التي قد تتآمر ضدهم. ولو ان الاميركيين قرروا التخلص من أحدهم، فكل ما عليهم رفع الحماية عنه، في بلد لا تكل فيه التنظيمات المعادية من محاولات الوصول الى القيادات العليا. وبالتالي من الطبيعي أن هناك سعياً لا ينقطع لمعرفة ما الذي يفعله هؤلاء «الاصدقاء»، ومع من يتعاملون، وعلى ماذا يتفقون. بعض التلصص حماية لهم، وبعضه حماية منهم. ورغم هذا كله تجد من المسؤولين الاميركيين من هو متشكك ولا يتردد في الاعتراف بأنهم غير واثقين من نوايا الحكومة، ويشكون في علاقاتها تحت الطاولة. الهاجس الدائم لواشنطن أنه بعد هذا الاستثمار المكلف، دما ودولارا، قد يظهر نظام في بغداد غير النظام الذي يظنونه. حينها سيكون تثبيت الاميركيين لنظام معاد لهم كارثة استراتيجية تفوق الخطايا السابقة، مثل ولادة القاعدة من رحم مشروع المجاهدين الاميركي، وستتجاوز كارثيتها الحروب المكلفة التي ساعدت اخيرا على تعاظم النفوذ الإيراني بإسقاط صدام وطالبان.

مع هذا، وبعد أن أسسنا منطق التجسس على الحكومة الصديقة، يبقى السؤال الأهم هل التجسس كاف لمعرفة كل الحقيقة؟ لا، ليس بالضرورة.

[email protected]