رايس .. وسكينة!

TT

كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية شخصية مركبة ومعقدة، صعدت الهرم السياسي الأمريكي بمهارة واقتدار ولكنها لن تدخل التاريخ بسبب سياساتها ولا بسبب مواقفها. فكوندي كما يحلو للمقربين منها أن ينادونها هي ابنة الجنوب الأمريكي وعلاقات «العرق» المضطربة باسباب الاضطهاد والتميز، تألقت أكاديميا حتى وصلت لمكانة مرموقة في إحدى أهم الجامعات الأمريكية ومعقل الفكر التقني الجديد وتحديدا في جامعة ستانفورد، وهي أيضا بنت لنفسها خطا دينيا محافظا، وكانت تحرص على حضور دروس الأحد الانجيلية للتمعن في الانجيل ودراسته، اضافة لولعها الشديد بالعزف الكلاسيكي على البيانو، تخصصت رايس في السياسة الروسية والنظام السوفيتي ولكنها وصلت الى مركز صناعة القرار السياسي الخارجي بعد سقوط السوفيت، وبالتالي فقدت ميزتها التنافسية التي كان تخصصها يخدمها فيها. عربيا لم تستطع كوندليزا رايس كسب ثقة المنطقة ولا احترام أهلها (على عكس كولين باول مثلا الذي استقال حينما شعر بأنه كان أداة تم استخدامها لبيع الحرب القذرة على العراق بأكاذيب ومؤامرات دنيئة على الرأي العام الأمريكي والرأي العام الدولي) فرايس لم تتمكن من تحقيق أي شيء يذكر في القضية المحورية الأهم في المنطقة وتحديدا القضية الفلسطينية، بل أن مواقفها «الرمادية» بحق التوسع الاخطبوطي للمستوطنات الاسرائيلية والممارسات الدموية من قبل الجيش الاسرائيلي ضد الفلسطينيين العزل كانت دوما دافعا واضحا لان تستمر اسرائيل في نفس الممارسات الهمجية المجنونة بالرغم من أن الملف الفلسطيني الاسرائيلي كان موكلا اليها من قبل الادارة الأمريكية بشكل حصري، وطبعا الكل لايزال يتذكر رايس وتصريحاتها المعيبة بحق لبنان والعدوان الاسرائيلي السافر عليه واستخفافها بالضحايا والدمار وادعائها أن الوقت لم يحن بعد لطلب وقف اطلاق النار، مصريا هناك اعتقاد كبير بأن رايس شخصيا ساهمت في توسيع الهوة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية عبر سلسلة من المواقف والتصريحات أطلقتها وتبنتها اعتبرها المصريون تدخلا واضحا ومباشرا وبالتالي غير مقبول في صميم الشؤون الداخلية لبلادهم. والآن تواصل رايس مسلسلها في استمرار ادهاش جمهورها العربي بزيارتها الى ليبيا في فصل جديد من اعادة ترتيب العلاقة بين ليبيا وأمريكا وتدلي بتصاريح تعبر فيها كيف أن ليبيا هي مثال جيد للدول العربية وغيرها من العبارات المشابهة، شخصيا لا أعتقد أن الليبيين انفسهم يصدقون ذلك، ولكن ما هو غير مقبول حجم السذاجة التي تروج بها بعض سياسات المحافظين الجدد بالمنطقة العربية. ليس هنا مجال الاسهاب والتحدث بتفاصيل عن الوضع الليبي وحال الجماهيرية وغير ذلك ولكن باختصار شديد وبشكل مباشر هي ليست المثال الذي يتطلع اليه العرب ليكونوا مثله. مارغريت تاتشر حينما استقبلت الزعيم السوفيتي الأسبق ميخائيل غورباتشيف في مقر رئاسة الوزراء البريطانية بالعاشر من شارع دواننغ، وقالت فيه كلمتها الأشهر «نحن نستطيع أن نعمل سويا» كانت هذه أبان ذروة فترة «الغلاسنوست»: و«البروستوريكا» الاصلاح والانفتاح بحسب غورباتشيف وذلك داخل الاتحاد السوفيتي ولكنها كانت أيضا قبلة الوداع، إذ أن بعد هذا اللقاء بفترة زمنية غير كبيرة بدأت حجارة بناء الاتحاد السوفيتي تتصدع وسقطت الامبراطورية وانهارت بسرعة. هناك من يشبه زيارة رايس للجماهيرية «بحدث» من نفس النوع، انه الانفتاح الذي يأتي معه رياح تغيير كبيرة وأثمان وفواتير معينة. كوندليزا رايس تحولت مع الوقت الى «فزاعة» ونذير سياسي على الكثير من الشخصيات والدول التي تزورها وتتعامل معها، وباتت أشبه بالشخصيات المرعبة. هي لم تخف أن لديها مستقبل سياسي «آخر» تسعى اليه، وترغب أن تكون أول امرأة سوداء تكون رئيسة البيت الأبيض ولكنها لم ترشح نفسها الآن لادراكها بأن العالم بحاجة أن ينسى قليلا بوش الابن وجماعتها ويتنفس الصعداء ولكن قد يكون طموحها في عام 2012 . رايس لا تزال في منصب صانع القرار السياسي الأمريكي الأول ولديها «أذن» الرئيس وثقته، وكل الأمل أن تنقضي المدة المتبقية من فترتها دون مفاجآت غريبة أخرى!

[email protected]