قراصنة القرن الـ 21

TT

الصومال نموذج حي لما يحدث عندما يتجاهل العالم لفترة مشكلة الدول المتفككة أو المنهارة التي لا يوجد فيها سلطة مسؤولة تسيطر على مقاليد الأمور وتكون مسؤولة أمام المجتمع الدولي، فبعد فترة من التجاهل على اعتبار ان المشكلة داخلية ولا توجد مصالح استراتيجية متضررة تبدأ الأزمة الداخلية في الفوران لتخرج عن نطاقها الجغرافي الداخلي وتسبب مشاكل للعالم الخارجي.

وعمليات القرصنة البحرية التي أصبحت صداعا عند الممر الملاحي الدولي المزدحم بعشرات السفن والناقلات عند مدخل البحر الأحمر أحد مظاهر فوران الأزمة خارج حدودها الى الدرجة التي أزعجت المجتمع الدولي واضطرته الى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي في يونيو الماضي للسماح بسفن حربية من دول أجنبية بمطاردة قراصنة البحار الصوماليين الذين يقال انهم يحتجزون الان نحو 10 سفن اختطفوها بطواقمها ويساومون عليها الشركات المالكة من أجل الحصول على فدية مالية نظير الافراج عنها.

ويبدو ان عمليات القرصنة التي كانت بدائية قبل سنوات أخذت شكلا متطورا حاليا لتصبح مهنة لها ممولون ومسلحون وقوارب حديثة وأسلحة وموانئ استقبال الى آخره، ففي مناخ الفوضى وعدم وجود أنشطة اقتصادية شرعية وسلطات مسؤولة تزدهر الأعمال غير الشرعية، ليكون قراصنة الصومال أشبه بروبن هود القرن الواحد والعشرين، يسرقون من حركة التجارة الدولية في البحار.

وقد يكون إرسال سفن حربية أو تشديد الرقابة على السواحل الصومالية أحد الحلول للحد من نشاط القرصنة البحرية هناك والذي رفع أسعار تأمين السفن والبضائع ومثل تهديدا للمرور الملاحي من والى البحر الأحمر، لكنه ليس سوى حل مؤقت، لأنه لم يتم معالجة جذور المشكلة التي تتركز في غياب دولة موحدة قوية في الصومال تسيطر على حدودها ومناطقها.

وهو وضع قائم منذ 1991 عندما انهارت الحكومة المركزية هناك بعد عهد سياد بري، حيث لم يستطع الصومال منذ ذلك التاريخ ان يشهد استقرارا بينما اصبحت اليد العليا لزعماء الحرب الذين خاضوا حروبا ضروس ضد بعضهم من اجل مصالح شخصية او فئوية قصيرة الأمد على حساب الناس العاديين الذين هربوا من مناطقهم او هاجروا بشكل شرعي او غير شرعي الى اي مكان يستطيعون الذهاب اليه، وسواحل اليمن والقوارب التي تغرق بالمئات من المهاحرين الباحثين عن مكان افضل شاهد على ذلك. ولم تستطع الفترة القصيرة التي وجدت فيها قوات دولية تحت علم الأمم المتحدة في التسعينات ان تفعل شيئا، أو بمعنى أصح لم يكن لديها الإرادة السياسية لكي تفعل شيئا، وخرجت لتترك الصوماليين لمصيرهم، ولزعماء الحرب المستفيدين من الفوضى.

وكان طبيعيا ان تحاول تنظيمات متطرفة مثل القاعدة وغيرها ان تستغل الوضع الصومالي في ايجاد قاعدة لها في القرن الأفريقي، فالفوضى هي المناخ الملائم لنشاط جماعات التطرف.

لقد تراكمت مشاكل الأزمة الصومالية على مدار الـ 17 عاما الماضية الى الدرجة التي جعلتها شديدة التعقيد تتداحل فيها عوامل خلافات زعماء الحرب مع نشاط مسلح لجماعات متطرفة بعضها مرتبط بالقاعدة والفوضى السياسية والمناطقية والانهيار الاقتصادي الذي أدى الى وجود بين 2 و3 ملايين من السكان يحتاجون الى معونات غذائية. ويترافق مع ذلك رفض بعض قطاعات السكان وجود القوات الإثيوبية بينما لا يوجد بديل واقعي في ظل تردد المجتمع الدولي في إرسال قوة دولية قوية لحفظ الأمن. والحقيقة ان الأزمة تحتاج الى جهد إقليمي منسق أمنيا واقتصاديا قبل الدولي من أجل إعادة تقوية كيان الدولة في الصومال، وإعادة دورة الحياة الطبيعية وإنعاش الاقتصاد هناك، وقبل كل شيء التوقف عن استخدامه ورقة في الصراعات الإقليمية في القرن الأفريقي، فالفوضى عندما تنشب في مكان لا بد ان تؤثر على جيرانه في المرحلة التالية.