كنز الشامية!

TT

مقيمان في السعودية عثرا على كمية كبيرة من الذهب تحت أنقاض أحد المباني المزالة أخيرا في حي الشامية بمكة المكرمة في إطار التوسعة التي تجرى لساحات الحرم المكي الشريف، وقد حملا «كنزهما» لبيعه قبل أن تتدخل السلطات الأمنية، وتلقي القبض عليهما «ويا فرحة ما تمت»..

ويرى البعض أن تاريخ الاستيطان في ذلك الحي الذي تمت إزالته يمتد إلى ما قبل الإسلام، وبالتالي فمن المتوقع أن أحشاء أرض ذلك الحي تحمل الكثير من دلالات الحياة عبر القرون المختلفة، وكان من المفترض أن تصاحب عملية الإزالة جهود تنقيبية في بعض المواقع عن كل ما له دلالة تاريخية من أوانٍ وفخار ومعمار وغيره.

وكاتب هذه السطور عاش في صباه تجربة مشابهة لقصة ذلك «الكنز»، ففي أوائل عقد الستينات من القرن الماضي أزالت بلدية جدة عددا كبيرا من البيوت وبعض الأسواق والمتاجر لافتتاح شارع يقطع المدينة القديمة من شمالها إلى جنوبها، وأثناء إزالة أحد البيوت تساقطت كميات كبيرة من الذهب، واختلطت بركامه، وتجمهر الناس بفؤوسهم وأظافرهم بحثا عن أجل معدن في الوجود، وكان كاتب هذه السطور صبيا هرب من مدرسته ليحلم وسط الجموع بالذهب، وراحت تتعالى صيحات الفرح من أمامه، ومن خلفه، ومن يمينه، وشماله في كل مرة يظفر فيها أحدهم بسبيكة ذهبية أو بجنيه أو قطعة من الحلي، وما أكثر الظافرين.. وعلى مدى ثلاثة أيام تحولت المنطقة التي نقل إليها ركام البيت المزال إلى سوق تضم عددا من الصيارفة، وبائعي العصائر والمأكولات الخفيفة وغيرهم، وترك الكثير من الناس أعمالهم، وبعض الطلبة مدارسهم للظفر، بما استطاعوا من الذهب، وكنت الخاسر الأكبر، فلم أحصل على غير قبض الريح..

ولغرابة الحدث أطلق على ذلك الشارع اسم شارع الذهب، وما زلت في كل مرة أعبره تتداعى إلى الذهن حكاية الأيام الثلاثة التي كنت أخرج فيها من صباح العالمين إلى ليل الكادحين، لأعود إلى بيتنا أشعث أغبر إلا من بقايا حلم يمكن أن يتحقق في اليوم التالي.. بالأمس عبرت ذلك الشارع مجددا، وتأملت بعض البيوت العتيقة التي تطل رواشنها على جوانبه كعرائس الفرح، وأنا أتساءل في دواخلي: ترى هل بقي شيء من الأسرار خلف تلك الحجارة النافرة، التي تتأهب للسقوط؟!

[email protected]