الجريمة والعقاب

TT

ثمة قول قديم إن الجريمة لا تفيد. وثمة قول آخر إن الجريمة «الكاملة» ينقصها دائما مراجعة أخيرة. ويعرض الآن مسلسل أسمهان، التي قتلت في جريمة غامضة أعطيت نحو عشرة تفسيرات سياسية وعاطفية وعشائرية. وسوزان تميم ليست أسمهان، لأن لا صوت بعد صوت أسمهان. لكن حياتها فوضوية مثل حياتها، والحائمون حولها كانوا كثيرين ومتنوعين، أهل فن وأهل مال وأهل استغلال. وما أصعب أن تكون المرأة أضعف من موقعها في دائرة حتمية من أصحاب النوازع والمصالح وشتى أنواع المطامع.

قال لي عربي بارز ذات مرة، ما بين الحنق والدهشة، إنه شاهد فنانة معروفة تسير في «أفنيو مونتين» في باريس، وحولها نحو 8 «بادي غارد» من ذوي الرؤوس الضخمة الحليقة والنظارات السوداء والآذان المحملة أسلاكا. وسألني «ممن تخاف هذه المرأة؟»، فأجبت إنها لا تعرف. ولو عرفت لما كانت في حاجة إلى ثمانية من الحرس بل إلى واحد. وهي بالتأكيد تخشى بعض هؤلاء، فيمن تخشى من الناس، والأصدقاء، والأصدقاء السابقين، والعالم المحيط بها. وهو في أكثره عالم يحيا في الليل والغموض والمنافسات والمصالح المتضاربة. حاول بعض الصحف، ظالما، أن ينحو باللائمة على أسلوب سوزان تميم في الحياة. لكن هل يبرر هذا الأسلوب في الحياة هذا الأسلوب في الموت؟ هل كان يخيّل إلى سوزان تميم، وهي تدخل في علاقة مع أحد أشهر رجال الأعمال العرب، أن ثمة قاتلين ينتظران عند باب الخروج: السفاك ومحرّضه.

مَن صاحب الجرم الأكبر بينهما؟ هذا حكم لا يصدره الصحافي بشطحة قلم، بل يصدره القاضي. لكن أيضا شرط ألا يكون القاضي ـ أو القضاة ـ هو نفسه الذي أصدر حكما بتبرئة أصحاب العبارة التي غرق فيها ألف شخص، وحمّل المسؤولية للغرقى. هذا حكم لا ينسى في تاريخ القضاء المصري الذي كان في الماضي مضرب المثل في عالم عربي تصدر فيه الإدانات والتبرئة قبل المحاكمات وفي مخافر الشرطة لا تحت قوس العدالة. ترفض الإدارة الأميركية عودة الاستثمار الخاص إلى لبنان لسبب واحد، كما قالت مادلين أولبرايت، هو عدم الثقة في القضاء. ونأمل أن تحمي مصر نفسها من مثل هذه السمعة. وأرجو ألا يُفهم من ذلك أننا نأمل بعقاب شديد لقتلة سوزان تميم وذبّاحها القميء، بل فقط أن يغيب أي قاض مثل قاضي العبارة عن المحكمة ويترك القضاة ـ وحتى المحامين ـ لضمائرهم.