الظرفاء وصوم رمضان

TT

قدوم شهر رمضان المبارك مسرة وبشرى لسائر المسلمين. يستأنسون بلياليه وتقاليده وأكلاته الرمضانية الخاصة. بيد أن هناك من يستصعب واجب الصيام ومشقة الجوع والعطش. أصبح ذلك مناسبة للظرفاء يتندرون بها. سألوا أحدهم في أي يوم من الأيام تفضل أن تموت؟ فأجابهم: إذا كان ولا بد ففي أول يوم من أيام رمضان. ونظر رجل في أواسط الشهر الشريف إلى القمر فتمتم قائلا للبدر: أراك سمنت وأهزلتني.. ما أراه من ورائك غير السل والدق.

وأبلغوا رجلا ظريفا باقتراب شهر رمضان فقال: «والله لأقطعنه بالسفر». لم يكن كثير من العراقيين يلتزمون بالصوم في عهدي بهم. ولكنني أتذكر من أيامي في بغداد مطعما علقوا على بابه لوحة تقول: «احتراما لشعائر رمضان المبارك هذا المطعم مغلوق. يرجى الدخول من الباب الخلفي». كانت بعض المطاعم تعلق لوحة تقول «هذا المطعم خاص بالمسلمين». وكنا نعتاد على تحاشيها لما عرف عنها من سوء الطعام. أوحى ذلك لصاحب مطعم أن يتحايل على شهر الصيام بتعليق لوحة تقول: «هذا المطعم خاص بغير المسلمين».

كثيرا ما يأكل البعض بالغلط سهوا أو تغالطا. يروي الابشيهي صاحب «المستطرف في كل فن مستظرف» فيقول إن رجلا جاء إلى فقيه يسأله. قال أفطرت يوما في رمضان. فأجابه قائلا: اقض يوما مكانه. قال قضيت وأتيت أهلي وقد عملوا مأمونية فسبقتني يدي إليها. فأكلت منها. فقال اقض يوما آخر مكانه. قال قضيت وزرت أصحابي وقد عملوا هريسة لذيذة فسبقتني يدي إليها وأكلت. فقال له الفقيه: أرى ألا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك!

بطون الأدب العربي مليئة بحكايات الشعراء وأشعارهم المحملة بهموم الصوم. من ذلك أن الشاعر اللبناني جعفر الأمين وصاحبه نور الدين بدر الدين قد تضايقا من أعباء الصيام فبعث لصديقه بقصيدة طويلة يبشره باقتراب نهاية رمضان:

* يا من بدنياه استخف فعدها - ثوبا معارا لا يدوم لمهتدي

* وانساق خلف صلاته وصيامه - متبتلا يرجو الشفاعة في غد

* إهنأ فشوال اطل هلاله - وافرح بمقدمه السعيد وعيّد

* وارتح فنفسك قد اطلت عناءها - بتضرع وتهجد وتعبد

* ماذا عليك اذا فككت عقالها - ورحمتها بعد الصيام المجهد

* واذقتها بعض الذي ستناله - يوم القيامة في النعيم السرمدي

* ولها الرصيد الضخم عند الهها - نهر من اللذات عذب المورد

* فاطلب لها منه لعبد سلفة - وعلى الحساب كما يشا ليقيد

* وانعم ولو بالعمر يوما واحدا - وادر قفاك لعاذل ومندد

* واستثقل الشاعر الصيداوي مصباح رمضان وقع الصيام عليه فكتب بيتين من الشعر الى زميله عارف الزين يستفتيه بالإفطار:

ولست بفاطر الا بفتوى

صديقي «عارف الزين» الاريب

فطنت عن الطعام فهل سمعتم

بمن فطموه في سن المشيب؟

www.kishtainiat.blogspot.com