الجنرال برنت سكوكروفت: الأحادية الأميركية فشلت

TT

من أبرز الأسباب التي دفعت الجنرال برنت سكوكروفت (جمهوري) وزبيغنيو بريجنسكي (ديمقراطي) والاثنان شغلا منصب مستشار الامن القومي، لتأليف كتاب «اميركا والعالم» ـ يصدر هذا الشهر ـ حول مستقبل السياسة الخارجية الاميركية، ضرورة استرجاع اميركا مصداقيتها، بأن تبدأ التفكير بعمق كدولة موحدة لتعرف ما عليها عمله، واين اضاعت البوصلة وكيف تستطيع استرجاع مسارها. ويعتقد المؤلفان بأن على اميركا اعتماد سياسة خارجية موحدة وليس كديمقراطيين يواجهون الجمهوريين او العكس.

وفي اتصال مع الجنرال برنت سكوكروفت، أكد أن اميركا تستطيع استعادة مصداقيتها في العالم الذي يتغير بسرعة. «أميركا لم تدرك انه اصبح من الصعب العمل بطريقة احادية وهي كانت جد احادية، لذلك عليها منذ الآن وصاعداً التنسيق مع حلفائها واصدقائها، ان اميركا قوة عظمى، ويمكنها ان تكون ايجابية».

عندما اجتاح صدام حسين الكويت كان سكوكروفت اكثر المؤثرين في اقناع الرئيس جورج بوش الاب بضرورة تحرير الكويت، لكن في غزو العراق الأخير كان من ابرز المعارضين. لماذا؟ يقول: «حرب الخليج الاولى كانت اعتداء صارخاً ضد دولة جارة، وفيها حركنا العالم ودول الشرق الاوسط لمواجهة ذلك الاعتداء. اما حرب الخليج الثانية فكانت مختلفة ولم نستطع تحريك تحالف كبير. في الحرب الاولى، لم نتقدم لاحتلال بغداد وإطاحة صدام حسين، لأسباب ظلت قائمة في الحرب الثانية، ولهذا عارضتها».

وكان غزو العراق اثار «حرباً» من الشكوك بين العرب وايران. واسأل الجنرال سكوكروفت عن طريقة التعامل التي يجب ان تعتمدها الادارة الجديدة مع حلفائها التقليديين مثل السعودية والكويت؟ يجيب: «اولاً يجب حل مشكلة العراق، وهذه كانت عاملاً تقسيمياً في المنطقة، وهي تسير الآن في الاتجاه الصحيح. ثانياً: علينا ان نركز على عملية السلام بين الفلسطينيين واسرائيل، فهذه قضية جد مهمة لأنها ستظهر ان اميركا قوة توازن ايجابية في المنطقة. اذا انجزنا هذه القضية، فإنها ستغير وتحسّن مناخ التعامل مع المشكلة الايرانية المعقدة جداً التي اعتقد بأنه يمكن حلها بالطرق الدبلوماسية السلمية والمتعاونة».

ويعتقد سكوكروفت بأن الانسحاب من العراق يجب ان يكون مشروطاً، ليس ببرنامج زمني، انما عندما يصبح العراق اداة للاستقرار في المنطقة، وليس سبباً للفوضى والصراع. وعندما يصبح قادراً على تحمل مسؤولية نفسه.

لكن، هل يمكن الانسحاب من العراق قبل حل المشكلة مع ايران؟ يقول سكوكروفت: «نعم، لأنه عندما يقف العراق على قدميه، ويعود للتعاون مع الدول العربية والصديقة، عندها علينا كلنا ان نفكر بوضع اطار لترتيب امني اقليمي تشعر ايران عبره بأنها غير مهددة من العراق، وليست مضطرة لتطوير سلاح نووي لحماية نفسها».

يعتقد سكوكروفت بأن الترتيبات الامنية تحمي الخليج ايضاً من الطموحات الايرانية، اما «اذا فشلنا في التعاطي مع ايران، واقدمت هي على تطوير سلاح نووي عندها سيبدأ سباق تسلح نووي يشمل مصر، والسعودية وتركيا وربما دولاً اخرى في المنطقة. هذا يجب ان يكون هدفنا، منع السباق النووي».

لكن ايران اليوم تهدد دولة الامارات العربية المتحدة عبر الجزر الثلاث المحتلة، حول هذا يقول سكوكروفت: «اننا لن نسمح بحل هذه القضية بالقوة، ثم ان ايران لا تستطيع بطريقة احادية التحكم في هذه الجزر. والجزر واحدة من القضايا التي يجب حلها عبر ترتيبات شاملة مع ايران. وهذا يحتاج الى صبر طويل. ان الدبلوماسية هي الأسلوب الذي يجب اعتماده في التعاطي مع ايران».

لكن «الصبر» يمنحها الوقت والفرصة لتطوير الأسلحة النووية؟ يجيب سكوكروفت: «هذا صحيح، يجب ان نكون صبورين انما ليس الى مدى طويل. من احدى المشاكل مع ايران اننا لم نقدم لها اسباباً لتغيير اسلوبها. كأن نقترح عليها اطاراً امنياً، او ان نقترح بأن نقدم وقوداً نووياً لمحطات نووية، وان نقول لها اننا لسنا اعداء للشعب الايراني، وبالتالي لا تستطيع الاستمرار في تخصيب اليورانيوم».

إذا لم يوافق الإيرانيون على العروض المقدمة لهم، فإنهم سيواجهون عقوبات جسيمة انما «علينا ان نقدم لهم شيئاً مقنعاً. ثم ان ايران ليست دولة متراصة، واذا شعر الشعب الايراني بأن العروض عادلة ومشجعة، فإنهم سيعترضون. واذا لم تحقق كل العروض فعلها، علينا ان نفكر بالبدائل، لكننا لم نصل الى تلك المرحلة بعد، امامنا حوالي السنتين».

والمعروف ان سكوكروفت وزبيغنيو بريجنسكي يعارضان فكرة عمل عسكري ضد ايران، واسأله عن الأخطار المحتملة اذا ما اقدمت اميركا على عمل عسكري الآن ضد ايران؟ يقول: «يعني اننا نبدأ صراعاً جديداً في المنطقة، ثم لدينا سمعة اننا نتصرف بطريقة احادية، كما ان هناك من يتهمنا بأننا ضد الاسلام، واظن ان اي هجوم جديد تقوم به الولايات المتحدة، خصوصاً اذا كان احادياً سيجعل ما نعاني منه بمصداقيتنا اسوأ بكثير».

وألفت نظر سكوكروفت الى ما قاله الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز (الصنداي تايمز الأحد الماضي) من أن المشكلة ليست في حصول ايران على سلاح نووي، انما في وجود قادة خطرين فيها مثل محمود احمدي نجاد. واسأله عما اذا كانت اميركا توافق على ايران نووية انما مع نظام ديمقراطي؟ يجيب بحسم: «كلا. ان ايران مشكلة بحد ذاتها. ثم انها مشكلة اضافية، لأننا مع عدم انتشار اسلحة الدمار الشامل، واذا سُمح لإيران وحدها، حتى اذا كانت دولة ديمقراطية، بأن تعمل على تخصيب اليورانيوم، فإن دولاً اخرى قد لا تكون بالضرورة راغبة في الحصول على السلاح النووي، انما تريد ان تكون جاهزة اذا صار العالم نوويا، ستحذو حذو ايران. ويضيف: «علينا ان نبحث عن كل الوسائل التي تكفل حق ايران الشرعي بالحصول على الطاقة النووية لكن، في الوقت نفسه نحافظ على عدم انتشار اسلحة الدمار الشامل».

واقول للجنرال سكوكروفت، انه والعالم مشغول ببرنامج ايران النووي، نلاحظ ان الايرانيين يصدرون ثورتهم نحو لبنان وغزة. فهل هذه الايديولوجية تناسب القرن الواحد والعشرين وتدفع الى عالم اكثر سلاماً؟ فيوضح، «ان من اسباب قولي اننا في حاجة لحل قضية العراق والتركيز على عملية السلام الفلسطينية يعود الى ضرورة ان نضخ روحاً جديدة في المنطقة، روحاً من التعاون تسمح لنا بالتعاطي مع مسائل مثل «حزب الله» و«حماس»، فالتنظيمان «ينتعشان» بسبب المشكلة الفلسطينية، فإذا سحبنا هذه المشكلة يصعب عليهما الاستمرار». ويرى الجنرال سكوكروفت ان على اميركا لعب دور بناء في المفاوضات الاسرائيلية ـ السورية، وان تتجاوز دور الوسيط في المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية، لأن الطرفين ضعيفان جداً لتحمل المسؤولية وحدهما، انهما يحتاجان لتدخل فعلي من اميركا خصوصاً أن الاتفاق التمهيدي بينهما قائم منذ عام 2000، ويحتاج الى ارادة سياسية لتطبيقه، وهذه حسب ظنه توفرها الولايات المتحدة.

ان اكثر ما يقلقه انعكاس الأوضاع على لبنان يقول: «ان وضع لبنان هش جداً، ولا يمكن حل مشكلة لبنان وحدها، فمشكلته تجد حلاً ضمن الحل الشامل للمنطقة»، لهذا يرى أن التأخير في ايجاد الحل الشامل خطير.

ويؤكد سكوكروفت ان حل القضية الفلسطينية يأتي في الأولوية، لأن العراق سيحتاج وقتاً للحل، «يجب التركيز على القضية الفلسطينية والمشكلة الايرانية، واذا كانت القيادة الاميركية حاسمة يمكنها ان تجد حلاً للقضية الفلسطينية».

ومع معرفته بعدم تجرد اي ادارة اميركية، الا انه يأمل في الا تكون الادارة المقبلة منحازة ذلك «ان الحل المبدئي قائم، واذا قالت واشنطن انه اقتراح اميركي وانه الافضل، عندها يصبح الحل واعداً. وهذا ما اشرنا اليه في الكتاب، بريجنسكي وأنا».

ويقول سكوكروفت ان اسباباً اخرى دفعته وبريجنسكي الى وضع الكتاب، منها باكستان «المشكلة الصعبة» وافغانستان «التي لا تتحسن».

من جهة اخرى، لا يرى سكوكروفت سبباً لحرب باردة جديدة لأن هناك مصالح مشتركة كثيرة بين موسكو وواشنطن. وهو يعتبر انه مع توسع الناتو والصواريخ الدفاعية لم تدرك واشنطن الاحساس بالعجز الذي شعرت به موسكو مع انتهاء الحرب الباردة، وانه مع انهيار الاقتصاد الروسي آنذاك اسرعت اميركا لتحديد معالم العالم الجديد غير عابئة بالاحاسيس الروسية. وهو يعتقد بأن جزءاً من اعمال روسيا الآن، التي لا يؤيدها، هو رد فعل للشعور الروسي باللاعدالة ويقول: «يجب ان نكون كباراً ونتعامل مع روسيا باحترام وكرامة عندها نستطيع حل المشاكل التي برزت». وهل يعتقد سكوكروفت بأن الصين سعيدة الآن بالمشاكل الجديدة بين اميركا وروسيا؟ يقول: لا اعتقد بأنها غير سعيدة، انما هي الاخرى تعاني من مشاكل ضخمة، لكنها لا تريد صراعاً اميركاً ـ روسياً. وأسأل الجنرال سكوكروفت في النهاية عن العبارة الاكثر اهمية التي يجب ان يتضمنها خطاب قسم الرئيس الاميركي الجديد، فيقول: «ان اميركا تريد ان تلتقي وتساعد الدول كلها لمعالجة المشاكل الصعبة. ليس لدينا كل الاجوبة، لكننا لا نعتقد بأن الحرب هي الحل».