قمة دمشق الأخيرة .. رؤوس مؤتلفة وقلوب مختلفة!

TT

أغرب ما قيل حول القمة الرباعية الأخيرة، التي عُقدت في دمشق، هو أنها قمة العرب وقمة الاتحاد الأوروبي وقمة مجلس التعاون الخليجي وقمة منظمة المؤتمر الإسلامي والمبرر هو ان رؤساء الدول التي حضرتها لا يمثلون دولهم فقط وإنما يمثلون أيضاً هذه التكتلات الإقليمية إنطلاقاً من ان الرئيس بشار الأسد، بدءاً بقمة دمشق في إبريل (نيسان) الماضي، يرأس ولمدة عام الجامعة العربية وأن نيكولاي ساركوزي هو الآن الرئيس المناوب للمجموعة الأوروبية وأن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لايزال له بضعة أسابيع على رأس المجموعة الخليجية وأن رئيس هذه المنظمة الإسلامية الآنفة الذكر هو التركي أكمل الدين إحسان أوغلو.

تفسير لا أجمل منه ولا أحلى وهذا يعني ان المواقف التي أُتخذت في هذه القمة وأن الكلام الذي تردد من فوق منبرها لا يمثل، وإن بصورة مواربة، الدول الأربع التي حضرتها فقط وإنما أوروبا كلها والوطن العربي بأسره، من الخليج الثائر الى المحيط الهادر، وفوق كل هذا الدول الإسلامية القريبة والبعيدة وعلى رأسها تركيا مصطفى كمال «أتاتورك» التي يحتدم النزاع عليها منذ بضعة أعوام بين أصحاب الياقات الحمراء من كبار جنرالات الجيش التركي وهذه الظاهرة الإسلامية المُجدِّدة التي يقودها رجب طيب أردوغان وعبدالله غول.

ولذلك وبحكم هذا التمثيل فإن المفترض ان يلتزم العرب كلهم بكل ما قاله الرئيس المناوب لجامعتهم بشار الأسد خلال هذه القمة وعلى هامشها وبما في ذلك ما قاله عن «سلفية» طرابلس وشمال لبنان وعن ان هناك دعماً رسمياً لهذه السلفية، التي إعتبرها إرهاباً، من قبل دولة عربية «معروفة» وأن المفترض ان ما قاله ساركوزي يمثل حتى بريطانيا وإيطاليا بالإضافة الى ألمانيا وأنه يمثل أيضاً حتى نجمة الهلال الخصيب، التي هي قبرص، بشقها اليوناني بينما يمثل ما قاله أردوغان العالم الإسلامي كله من جزر القمر وإندونيسيا وماليزيا وحتى السنغال في غرب أفريقيا.

إنها أعظم قمة عرفها التاريخ ببعيده وقريبه ويقيناً لو أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين لايزال رئيساً للعراق وحضر هذه القمة لأسماها: «أم القمم» فالمهم هنا ليس النتائج والقرارات السرية والعلنية التي أُتخِّذت وإنما هذا الحضور العربي رغم غياب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي لم توجه إليه الدعوة أصلاً ولو على أساس: «شاهد ماشافش حاجة» وهذا الحضور الأوروبي وهذا الحضور الإسلامي مع ان منظمة المؤتمر الإسلامي لم تكن حاضرة وأن رئيسها لم يكن مدعواً .

هناك مثل يدَّعي الأردنيون أنه أردني، مع أنه قد يكون عربي القلب واليد واللسان ومع أنه بالأساس قد يكون صينياً أو هندياً أو حتى إسرائيلياً .. يقول: «رؤوس مؤتلفة وقلوب مختلفة وهذا ينطبق على القمة الرباعية الأخيرة التي يبدو أنها «فُبركت» على هذا النحو لتعويض الهيبة التي إفتقدتها قمة دمشق العربية التي إنعقدت في إبريل (نيسان) الماضي التي غاب عنها معظم القادة والرؤساء العرب الذين جرت العادة أنه بدون حضورهم لا يمكن ان تعتبر أي قمة عربية لا قمة شرعية ولا قمة ناجحة والمقصود هنا هو مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والمغرب والعراق وسلطنة عُمان .. وأيضاً اليمن.

إن السؤال الذي لا بد من طرحه الآن وإن بأثر رجْعي هو: ما الذي يجمع بين هذه الدول التي تمثلت في هذه القمة الدمشقية الرباعية وما هو المشترك بين بشار الأسد ونيكولاي ساركوزي والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني .. و«الأرْكداش» رجب طيب أردوغان..؟!

إن المفترض من حيث الشكل على الأقل هو ان الرئيس بشار الأسد بالإضافة الى أنه رئيس دولة إشتراكية يسارية «ممانعة ومقاومة»! هو الأمين العام والأمين القطري لحزب البعث العربي الإشتراكي بينما الرئيس نيقولاي ساركوزي يمثل اليمين الفرنسي المتعاطف مع إسرائيل والداعم لقضاياها ورجب طيب أردوغان يمثل دولة حائرة بين الإسلام «الخفيف الظل» المنفتح وعلمانية جنرالات مصطفى كمال (أتاتورك) الصمَّاء التي لا تقبل النقاش ولا الحوار وترفض ذكر الخلافة الإسلامية ولو عرضاً وتعتبر ان الحجاب هو عدوها الأول المبين وكل هذا في حين ان الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يمثل هذه الشريحة العربية التي يعتبرها حزب البعث، الذي ينص دستوره الأساسي على أنه حزب «إنقلابي» شريحة «رجعية»! لا بد من القضاء عليها والتخلص منها.

وحقيقة وبعيداً عن الجانب الهزلي في هذه المسرحية الجميلة فإنه لو جرى التدقيق في هذه القمة لثبت حتى لأصحاب أنصاف العقول أنها، مع التقدير والإحترام للرئيس بشار الأسد وللشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لم تكن لا قمة العرب ولا قمة «جامعتهم» وأنها لم تكن قمة خليجية ولم تكن لا قمة إسلامية ولا قمة أوروبية .. إنها كانت قمة هذه الدول الأربع التي حضرتها والتي لكل واحدة منها دوافعها ومصالحها المختلفة عن دوافع الدول الأخرى التي تمثلت فيها.

إن ما أرادته دمشق، وهذا حق سيادي لا جدال فيه ولا نقاش، هو إثبات أنها خرجت من عزلتها وأنها لم تعد محاصرة وأن دورها يتجاوز المجال الإقليمي الى المجال الدولي، وأن ما أراده ساركوزي هو التأكيد على أنه لا يشكل إستمراراً لسلفه جاك شيراك وأنه ليس لا ديغول ولا ميتران وأنه فريد زمانه وأنه ليس صحيحاً أنه يدور في الفلك الأميركي والأهم من كل هذا .. أنه يستحق ان يكون وليَّ أمر الإحتياطات النفطية السورية التي توصف بأنها واعدة وبأنها ستحرر من ستكون له الهيمنة عليها من السيطرة الأميركية التي من المتوقع ان تكون أكثر قسوة على أوروبا في ظل هذا التزاحم العالمي على الطاقة وفي ظل توجه هذا العالم نحو حرب باردة جديدة.

وبالطبع فإن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لم يشارك في هذه القمة الدمشقية من قبيل مناكفة أي دولة عربية أخرى الطرق بينها وبين سوريا غير آمنة ولا سالكة! ولا من قبيل القناعة بالخط السوري «الممانع والمقاوم» بل من قبيل تجميع أوراق جديدة تعزز مكانة قطر التوسطية وإصلاح ذات البين بين العرب والعرب والعرب والعجم أما رجب طيب أردوغان فإنه بهذه المشاركة أراد ان يثبت لجنرالات بلاده ان الخلاص ليس بعلمانية غدت شائخة وعاجزة ولا تتلاءم مع متطلبات العصر ومواصفاته بل بالإنفتاح على هذه المنطقة وما ورائها وبالحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي والإستعانة بالنسبة لهذا الهدف بالرئيس الفرنسي وبكل الذين حضروا هذه القمة وحتى إن اقتصر عونهم على مجرد الدعاء بالقلب!

لا شيء فعلياً حققته هذه القمة بإستثناء أنها كانت تظاهرة معنوية استفادت منها دمشق وأرادتها باريس لأسباب داخلية وخارجية ولم تر أنقرة أن هناك أي ضرر من المشاركة فيها وهذا هو موقف الدوحة أيضاً والدليل على هذا ان الرئيس بشار الأسد لم يتردد وأمام ضيوفه الأعزاء في ان يقول أنه يحصر كل مراهناته، كلها، بأميركا وبالإدارة الأميركية الجديدة التي ستنتخب بعد شهرين وحتى بما في ذلك إنتقال المفاوضات مع إسرائيل من الصيغة غير المباشرة الى الصيغة المباشرة.