الخطاب المناسب لمتمرد

TT

المرحلة الحالية من الانتخابات تصوغها حقيقة سياسية واحدة لا مراء فيها هي: إنه عام جيد أن يكون ديمقراطيا وعام سيىء أن يكون جمهوريا، ولكن تلك الحقيقة لا تترجم تلقائيا إلى إستراتيجية جيدة بالنسبة لباراك أوباما أو حالة ميئوس منها بالنسبة لجون ماكين.

تمكّن أوباما من الفوز بترشيح حزبه بعد أن تحدى أكثر الحِزْبيين فعالية في السياسة داخل الولايات المتحدة، هيلاري كلينتون، تَقْدُمه رسالة الوحدة والأمل، تلك الرسالة التي اكتنفها الغموض رغم جاذبيتها. بعد ذلك جاء مؤتمر دينفر، وخلاله عمل فريق أوباما بنصائح مؤسسة الحزب الديمقراطي التي هزمها والتي مفادها: بما أنه عام الحزب الديمقراطي فلتخض الانتخابات كمرشح قوي يحلو له مهاجمة بوش وتوجيه الضربات العنيفة لماكين، ولتنس اللغة المنمقة وباقي تلك القاذورات، ولتحقق لنا الانتصار الليبرالي الذي كان آل جور وجون كيري أقل من أن ينجزاه.

وبخطابه الناري القابل للنسيان، أضعفت أوباما المؤسسة التي كان قد هزمها، فاختار أن يقود حزبه في معركة رافعا علما أبيض كان واضحا في نبرة كلامه.

قد يكون ذلك كافيا لتحقيق الفوز، ففي الوقت الذي نرى فيه الحزب الجمهوري متراجعا بنحو عشر نقاط خلال الاقتراع العام داخل الكونغرس، نجد أن أوباما لديه من الأصوات ما يبددها سعيا وراء انتصار هزيل مستقطب.

ولكن هذا المنحى يعرض بعض المخاطر، فقد تم إضعاف «ماركة أوباما» التي صُنعت بحرفية خلال الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي. وهذا التحول يزيد من احتمالية أن أوباما المثالي كان مجرد جمرة مشتعلة، صرف متعمد للانتباه عن تاريخ تصويت ليبرالي داخل مجلس الشيوخ، وتاريخ تصويت راديكالي في المجلس التشريعي بولاية الينوي في قضايا مثل الجرائم والإجهاض (عارض مشاريع قانون لمنع إطلاق سراح الجناة الجنسيين، ولتغليظ العقوبة ضد العصابات، ولحماية الأطفال المولودين بعد محاولة الإجهاض).

باختصار، قد يكون الديمقراطيون في النهاية قد فازوا بمنصب الرئيس بفضل مهارة باراك أوباما وآيديولوجية ولتر موندال. ولكن على أوباما أن يدرك الآتي: ان الحزبيين الفاعلين داخل حزبه أقنعوه أن يخوض الانتخابات بطريقة لم يفز بها أي ديمقراطي حديثا. وان النموذجين الوحيدين حديثا لفوز الحزب الديمقراطي، جيمي كارتر وبيل كلينتون، كانا وسطيين من الجنوب. ان الأميركيين غضبى ويشعرون بالسخط، ولكن ما زالت أميركا دولة وسط ـ يمين.

وعلى الرغم من أن أوباما يمكنه الفوز كديمقراطي نموذجي، فإن ماكين ليس لديه فرصة في الفوز كجمهوري نموذجي. يمكن لماكين أن يهاجم خبرة أوباما الضعيفة وسذاجة وجهات نظره في السياسة الخارجية وأن يحشد القاعدة على تلك الصورة الذي تذكر بعصر ريغان، ولكن لا يكفي ذلك. إذا لم يتحد ماكين بصورة مباشرة حزبه في خطابه خلال المؤتمر، فإن حزبه سيعود إلى المنفى، ولذا يجب أن يرحب الحزب الجمهوري بالهجوم.

التحديات الماثلة أمام ماكين تتضمن رئيسا غير محبوب وأعضاء جمهوريين في الكونغرس تمكنوا من أن يثبتوا أنهم جامدون من الناحية الفكرية ويقدمون تنازلات من الناحية الأخلاقية. ويوجد أمام ماكين خياران اثنان فقط: أن يكون إصلاحيا أو أن يكون ضحية. الفائدة الرئيسية التي يجنيها من وجود سارة بالين على بطاقته ليس فكرها المحافظ، ولكن سمعتها كخصم للفساد الجمهوري في ولاية ألاسكا.

وبغض النظر عن فحوى خطاب ماكين، فهناك اختبار واحد لتحديد ما إذا كان ناجحا أم لا، حيث يجب أن يكون الناخب قادرا على أن يقول: أنا لم أسمع ذلك من جمهوري من قبل.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»