ليس الأمر مجرد هراء

TT

مع تحديد الرابع من يونيو(حزيران) 2009 موعدًا للانتخابات الرئاسية الإيرانية، بذلك تكون الحملات الانتخابات التي ستشهد الصراعَ من أجل الشخصية التي ستعمل على تشكيل السياسة في إيران حتى 2013 قد بدأت.

ومن المعروف أن دور الرئيس مهمش في ظل النظام الخميني، فبإمكان «المرشد الأعلى» أن يستخدم سلطاته المطلقة لإملاء السياسات أو حتى عزل الرئيس، إلا أن ذلك القول خاطئ، فالمطلعون على دقائق الشؤون الداخلية والسياسة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية يعلمون أن إيران اليوم مكان مختلف عما كانت عليه قبل انتخاب محمود أحمدي نجاد.

فمع إعادة نظام حكم الخميني إلى رسالته الثورية الأولى، فقد أثار نجاد خصومة بعض العناصر داخل النظام الذين رأوا أن مصالحهم باتت مهددة جراء التدابير الاقتصادية التي حظيت بجماهيرية والمخاطر الكبيرة للسياسة الخارجية التي ينتهجها. وأصبح هناك شبه تأكيد بأن أحمدي نجاد يسعى إلى الترشح للحصول على فترة رئاسة ثانية، خاصة بعد أن سانده «المرشد الأعلى» علي خامنئي في مناسبات عدة. وبالرغم من ذلك، فإن العديد من الشخصيات التي يُطلق عليها «إصلاحية»، وعلى الرغم من أننا لم نُطلع على نوعية الإصلاحات التي يدافعون عنها، يحاولون إيجاد مرشح للوقوف ضد نجاد. وهناك ثلاثة مرشحين ما زالوا موضع الدراسة جميعهم من الملالي، الأول: هو مهدي كاروبي الرئيس الأسبق للبرلمان الإيراني والذي حل ثالثًا في الانتخابات السابقة، والذي كان من قبل أصوليًا مثيرًا للقلاقل حيث انضم إلى الزعيم السوداني حسن الترابي في محاولته لتأسيس الحركة الإسلامية العالمية. وأصبح كاروبي أكثر اعتدالاً وثراءً إلى حد بعيد في السنوات التالية. ومن ثم فهو يمثل صورة غير واضحة في مقابل نجاد الذي يعد شخصية سياسية بارزة. والشخصية الثانية هو محمد خاتمي، وهو ملا أيضًا ورئيس سابق، وقصة انتخاب خاتمي للرئاسة معروفة، ففي عام 1997 كان النظام بحاجة إلى تجميل صورته في الخارج، ومن ثم تم إعداد خاتمي الذي يوصف بأنه إصلاحي لانتخابه. ويبدو أن خاتمي يعتقد أن فطنته ولباقته هما اللتان ساعدتاه على الفوز في المرة السابقة وليس آلة النظام. ومع كل تلك الأوهام، وافق خاتمي على أن يلقي بعمامته في الحلبة مرة ثانية. ويأتي أخيرًا عبد الله نوري الملا الأصغر سنًا، والخميني الأسبق الذي يحظى بشهرة كبيرة، والذي تخشاه المؤسسة بحق. وعمل نوري مرتين كوزير للداخلية في مناسبتين قبل أن يجبر على الاستقالة من منصبه ويتعرض للسجن والتعذيب. وأخيرًا رهن الإقامة الجبرية في منزله.

ولقد ادعى خاتمي كذبًا بأنه سيكون غورباتشوف إيران، والحقيقة انه عندما أتيحت له الفرصة لم يكن أكثر من أناستاز ميكويان، الرئيس الروسي سيئ الطالع الذي حكم روسيا إبان فترة الستينات. وعلى عكسه يأتي نوري الذي يرغب في أن يكون بوريس يلتسين إيران، والزعيم الذي يغلق صفحة من التاريخ لفتح أخرى. وعلى عكس خاتمي، لم تتح لنوري الفرصة لأن يقدم مشروعه.

ومن الواضح أنه من بين الملالي الثلاثة الذين ذكرناهم، يبرز نوري كبديل فعلي للنظام الحالي، إلا أن النظام الذي يملك الحق في الاعتراض والموافقة على كل المرشحين لن يكون متوقعًا أن يوقع على ورقة انتحاره بترك نوري يخوض غمار السباق الرئاسي، كما حدث مرات سابقة، حتى يتأكد من نصر مرشحه المفضل، والذي سيكون في هذه الحالة بالطبع أحمدي نجاد. وإذا ما كان كاروبي وخاتمي يسعيان إلى القيام بما هو في صالح إيران، فأولى بهما عدم السعي إلى الترشح، ويجب أن يضعا في أذهانهما أن ترشيحهما يمكن الاعتراض عليه من قبل مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة المعينة التي يتحكم فيها «المرشد الأعلى». ولكن حتى وإن سمح لهما بالترشح فلن يسمح لهما بالفوز.

وهزيمة نجاد، العام المقبل، ستكون نكرانًا علنيًا للنظام، وهو ما لن يسمح به المرشد الأعلى أو مؤسسة الحرس الثوري للجمهورية الإسلامية، والترشح ضد نجاد من قبل كاروبي وخاتمي سيضفي المصداقية لما قد يطلق عليه انتخابات. إضافة إلى ذلك، فإنهما سيحدثان نوعًا من الارتباك، عبر التظاهر بأن المشكلات التي تعانيها إيران مبعثها شخصية أحمدي نجاد وليس الخامنئية كآيديولوجية، وإذا ما قبلا تلك الآيديولوجية فإن عليهما الإقرار بأن نجاد أفضل من يمثل تلك الآيديولوجية.

وباستثناء بعض الحوادث الصغيرة التي لا يمكن التنبؤ بها قبل يونيو 2009 يدخل نجاد إلى السباق الرئاسي من موقف قوي، إذا يلقى شعبية كبيرة داخل الحركة الخامنئية التي تمثل ما بين 10 إلى 15% من السكان. إضافة إلى أن الارتفاع الكبير في أسعار النفط مكّن نجاد من التغلب على بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. كما أنه وقف في وجه القوى الكبرى في العالم بشأن المسألة النووية وفاز ـ على الأقل حتى الآن. وإذا ما نجح باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية القادمة فسوف يعضد موقف نجاد، فأوباما ونائبه في السباق الرئاسي جو بيدن كانا دائمًا يدعمان المحادثات مع نجاد دون شروط مسبقة، وهو ما يعني تنحية القرارات التي أقرها مجلس الأمن الدولي ضد الجمهورية الإسلامية. كما عارض أوباما وبيدن وصم الحرس الثوري بأنه منظمة إرهابية. ومن المتوقع أن ينأى غالبية الإيرانيين بأنفسهم عن المشاركة في الانتخابات، والدليل على ذلك ما حدث في الانتخابات البرلمانية والمحلية عندما أحجم 50% من الإيرانيين عن التصويت في الانتخابات. لكن طهران والمدن الكبرى التي تمثل 70% من نسبة الأصوات لم تفعل ذلك. وأسلوب المقاطعة الكبيرة هو الخيار الذي يفضله بعض الإصلاحيين الراديكاليين من أمثال محمد مالكي، المحافظ الإصلاحي بجامعة طهران، والخيار الثاني هو دعوة الناخبين للمشاركة إلى الخروج والتصويت لصالح مرشح لن تتم الموافقة عليه مثل نوري. ولكي يتأكد النظام من فوز نجاد فسوف تقوم السلطات بتحديد النتائج، لكن الجميع سيعرفون بما حدث، وسيبدأ أحمدي نجاد دورته الرئاسية الثانية بشرعية ضعيفة.

والانتخابات حتى وإن كانت محبوكة كتلك التي ينتهجها النظام الخامنئي إلا أنها ستكون فرصة لقوى التغيير الذين يمثلون مصدر خطرٍ للنظام القائم، ومن ثم فإن من الخطأ تفويت الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران والنظر إليها على أنها مجرد هراء.