الرسالة التهكمية

TT

هل لاحظ أحد أن ما تدعيه سارة بالين من أجل الوصول إلى الشهرة السياسية خدعة؟ إنها تصور نفسها على أنها محافظة تكره المشروعات التي لا يستفيد منها إلا رجال الأعمال، وترفض جسر غرافينا أو «الجسر الذي لا يؤدي إلى أي مكان»، وهو المشروع الذي تكلف 398 مليون دولار ليصل كيتشيكان في آلاسكا بالمطار عبر ممرات تونغاس. ولكن عندما كانت عمدة واسيلا (التي يبلغ عدد سكانها 9.780 نسمة)، عينت أحد أصحاب المصالح في واشنطن لتصل إلى أهدافها. وعندما كانت مرشحة لمنصب حاكم الولاية منذ عامين فقط، أيدت كلا من مشروع جسر كيتشيكان ومادة الكونغرس التي تغطي معظم تكاليف إنشائه.

أعرف أنه ليس من المفترض أن ننتبه لمثل هذه التفاصيل المزعجة. من المفترض أن نكون منبهرين بعدم تكلفها وصراحتها و«صدقها». في الحقيقة إذا لم تتوقف عن رؤية سجلها الحقيقي، فسترى بالين كما هي. إنه ليس خطأها، ان عمدة واسيلا السابقة ذات روح تميل إلى طبيعة المخيمات، وآراء اجتماعية محافظة نظرية غير عملية، وتفتقد إلى أية مؤهلات يمكن إدراكها لتترشح من أجل منصب نائب الرئيس. لا أحد ينكر أن سكان آلاسكا على يبدو يحبونها، على الرغم من أنهم بدوا أكثر صدمة منا عندما تم اختيارها على قائمة ترشيح الحزب الجمهوري. على أية حال، إنها ليست السبب في هذا الموقف الهزلي.

لقد علمنا الأسبوع الماضي أن جون ماكين ليس كما هو، أو ليس على الأقل كما يدعي أن يكون. فرجل الدولة الصريح الهادئ، الذي يضع الأولوية لبلاده كما كانت تروج له حملته، شخصية خيالية. فماكين الحقيقي إما أنه متهكم بشكل مثير للانزعاج، أو أنه متهور على نحو خطير.

ستذكر أن ماكين اتخذ نفس المعيار الأساسي لاختيار مرشح نائب الرئيس، الذي يتخذه كل مرشح رئاسي، وهو: شخص مستعد لتولي مهام الرئيس إذا حدث، لا قدر الله، ما يدعو إلى ذلك. لقد كرر باراك أوباما هذه الكلمات قبل اختيار جو بايدن، الذي يعتبر معدا لتولي منصب نائب الرئيس على أفضل ما يكون.

وسوف تذكر أيضا أن ماكين ومؤيديه كانوا يلقون علينا الخطب حول المخاطر الكبيرة والملحة التي تواجهها البلاد، من الأصولية الإسلامية والظهور الروسي الجديد وتهديدات جغرافية سياسية أخرى. في عالم مهدد يقول ماكين إنه سيحافظ على سلامة أميركا.

إذاً، في عمر 72 وبتاريخ مرضي يشير إلى إصابته بالسرطان، كيف يمكن لماكين أن يختار مرشحة نائب الرئيس، ولنواجه الأمر، خبرتها صفر في الشؤون الخارجية؟ ولا يساوي شيئا كونها قائدة لحرس آلاسكا الوطني، إلا إذا كنت تفكر في أن فلاديمير بوتين على وشك أن يأمر بشن غزو عبر مضيق بيرينغ. في الوقت الذي تواجه فيه البلاد تحديات هائلة في الداخل، بالين لديها خبرة أكثر بقليل من الصفر في الشؤون الداخلية. السبب في أن معظم الأشخاص ينتقلون إلى آلاسكا لأنها مختلفة عن بقية البلاد. ولا تتصدر أخبار صيد السالمون وسباق عربات الجليد الصفحات الأولى في أوهايو أو بنسلفانيا أو فلوريدا.

إن حسابات ماكين السياسية التي اختار بها بالين واضحة. يشعر المحافظون الاجتماعيون، الذين لم يتحمسوا لترشيحه بالبهجة لاختياره مرشحة نائب الرئيس معارضة قوية للإجهاض وتفضل تدريس مفهوم «التصميم الذكي» في المدارس الحكومية وتتبنى جدول أعمال اليمين المتدين.

تراودني شكوك حول أهداف مناورة ماكين: مثل الفوز بأصوات النساء من الطبقة العاملة الذين كانوا يؤيدون هيلاري كلينتون. أولا، هؤلاء الناخبات تتعارض آراؤهن بشدة مع بالين في معظم القضايا. ثانيا، توحي إشارات أولية بأن الكثير من النساء شعرن بالإهانة بسبب فكرة أنهن يفقدن الوعي تلقائيا أمام أي مرشح رجل. ولكن يميل الجمهوريون إلى الرؤية المفرطة في البساطة لكيفية نجاح «سياسة الهوية». يجب أن يتذكروا كيف كان رد فعل الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية عندما رشح كلارنس توماس للمحكمة العليا.

وبغض النظر عن الأثر السياسي، هذا كثير جدا على جون ماكين الذي ظننا أننا كنا نعرفه. في اختياره لبالين، فعل الشيء الذي دائما ما كان حزبه يتهم الديمقراطيين بفعله: اختار مرشحة منصب نائب الرئيس معتمدا على قدرتها الممكنة في جذب قطاعات من جمهور الناخبين بدلا من قدرتها الحقيقة على قيادة البلاد، إذا ظهرت الحاجة إلى ذلك.

الشيء الآخر الذي علمناه عن ماكين هو أنه يريد أن يدخل في مغامرة كبرى معتمدا على معلومات محدودة. لقد قابل بالين مرة واحدة فقط قبل استدعائها إلى مقابلة نهائية. لقد لاحظ أنه يريد أن يزيد السباق الرئاسي إثارة، وهذا ما فعله. ولكننا نتذكر، إذا لم نكن لاحظنا ذلك من قبل، أن الثلاثة أشياء التي لن ننتظرها من رئاسة ماكين هي الحذر والتدبر والرغبة الدائمة في وضع مصالح البلاد فوق مصالحه.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»