هل أنت مسلم؟!

TT

حكى لي أحدهم هذه الحادثة الحقيقية، ولم أسأله ولم أدر في أية مدينة حصلت.

يقول: بعد أن قضى الأخوان ومعهما والدهما المسن فترة العصر بالتسوق في سوق بيع وشراء السيارات (الحراج) بحثاً عن سيارة مناسبة لشرائها، خرجوا من السوق قبيل آذان المغرب بدقائق، ولما لم يسعفهم الوقت للوصول إلى مسجد يصلون فيه، فقد ركنوا سيارتهم على جانب الطريق، ونزلوا للصلاة والأب هو الإمام وخلفه ولداه.

ولما كان هذا الطريق يمر به أغلب الخارجين من سوق السيارات، فإن الوالد (الشايب) ما أن كبَّر للصلاة حتى كانت السيارات تتوقف وأعداد المصلين خلفه تتزايد، وهو لا يعلم عنهم شيئاً.

ولما انتهى من سورة الفاتحة عند قوله (ولا الضالين)، سمع من خلفه أصواتا كثيفة ترد (آمين)، فركع ثم سجد بعد ذلك، وحين تأكد أن الجميع سجدوا، رفع رأسه من دون أن ينطق والتفت يميناً وشمالاً، عندها تبين له كثرة المصلين، فنهض بهدوء من دون أي صوت، وترك المصلين ساجدين وذهب ليجلس في السيارة.

فلما طال سجود الناس، وكان ابنه اقرب المصلين لموضعه في الصلاة، وأحس بأن شيئاً ما قد حدث، رفع رأسه ورأى مكان والده خالياً، فما كان منه إلاّ أن تقدم وأكمل الصلاة لهم إماماً.

وبعد الانتهاء، أقبل الأخوان على والدهما يسألانه عن سبب قطعه صلاته وتركه الناس بهذه الطريقة؟!، وكان ظنهما منصباً على أن والدهما لا شك أنه قد (أحدث).

غير انه قال موجها كلامه لأكبرهما: تريدني أنت وأخوك أن أشيل ذنوب خلق الله، وأنا عاجز عن أن أشيل ذنوبي؟!

هي على أية حال وجهة نظر، لكن ليس إلى درجة ترك المصلين ساجدين ثم الهروب منهم، وهذا الرجل (الشايب)، ذكرني بشايب آخر من نفس الحالة.

وكنت شاهداً عليه، لأنني كنت أصلي وقتها في نفس المسجد صلاة العصر.

وإمام المسجد رجل هندي ورع، يتحدث العربية ولكن (بلكنة) غير فصيحة.

وبعد أن انتهينا من الصلاة، وإذا بالإمام يقف خطيباً يحدث من بقي من المصلين، وبينما أنا أهم بالخروج من الباب، إذا بي اسمع كلمات الإعجاب من ذلك (الشايب) المتربع على الأرض ممتدحاً الإمام، وفجأة وإذا به يقاطعه ويقول له: يا شيخ أحسن الله إليك، يا زين كلامك، ولكن هل أنت مسلم؟!

توقفت عن الخروج، منتظراً جواب الشيخ الذي توقف بدوره عن الكلام مبهوتاً، غير انه تمالك نفسه وسأله: هل تقبل أنت أن تصلي خلف إمام غير مسلم؟! قال: أعوذ بالله (يخسا).

وأردف الإمام قائلاً: ثم أريد أن أخبرك أن اسمي هو (اهمد) ـ يقصد أحمد ـ، فهل هذا الاسم هو لغير مسلم؟! رد عليه (الشايب): لا فأكبر أولادي اسمه احمد، والجميع ينادونني بأبو أحمد، لكن (امسحها بوجهي) يا شيخ ـ أي اعذرني ـ، فقد (زلقت)، فقصدي أن اطمئن لا أكثر ولا أقل، ومن شدة إعجابي بك، أردت أن أتأكد وافرح انك مسلم.

لم يواصل الإمام ولم يكمل حديثه، وبدأ الجميع يخرجون ويتفرقون، ووقفت على رصيف الشارع، وعندما شاهدت (الشايب) يسير متوكئا على عصاته، اقتربت منه مسلماً ثم سألته: هل أنت مسلم؟!

صمت برهة، ثم تضاحك وهو يقول لي: ألا تعلم أنهم يسمونني (أبو أحمد)؟!

[email protected]