رجل ماركوسي

TT

قال لي صديق حبيب مرة «إن كتاباتك عن كوبا تشبه منشورات مكتب المعلومات الأميركي، وبما انني أرفض الالتقاء مع مكتب المعلومات الاميركي حتى في كوبا، فإن أي شبه في الحكاية التالية، مع كوبا أو هافانا، هو مجرد تخيلات.

لنا صديق مصاب بمرض ايميلدا ماركوس، يكثر من شراء الأحذية ويبالغ في حفظها فربما بلغ ذات يوم شهرة إيميلدا وبيعت أحذيته في المزاد. وقبل أعوام ذهب إلى جزيرة قريبة من فلوريدا فيها قاعدة اعتقال أميركية أقصى ما بلغته اعتقال سائق أسامة بن لادن. وكان الصديق يريد التفاوض حول مصنع مياه ولذلك أقام له وزير الصناعة مأدبة غداء طنانة. وزيادة في التكريم دعا إلى الغداء وزير العدل السابق باعتباره من أصل لبناني. وهذا دليل على عمق العلاقات بين البلدين.

قبل أن يغادر صاحبنا بيروت وضع في حقيبته خمسة أزواج أحذية. وقالت له زوجته إن هذا جنون، فالزيارة قصيرة، وبلد الزيارة معاد للرأسمالية، وعندما يرى موظف الجمرك هذا العدد من الأحذية سوف يعتقد أن في الأمر صفقة، أو معرضاً. لكن الهوس «الماركوسي» جعله يصر على كامل الحمولة. سر صاحبنا بوجود مواطنه وزير العدل السابق. وسرَّ الرجل به. وبرغم ان الوزير لم يعد يعرف من العربية سوى اسمه واسم والده واسم القرية التي هاجر منها جده، فإن حواراً طيباً دار بينهما، ولاحظ صاحبنا المقيم أن مواطنه المهاجر يرتدي ثياباً مبالغة في البساطة بالنسبة الى وزير سابق وقاض بارز، لكنه قال في نفسه إن هذه هي المساواة في البساطة، ولماذا الهدر في أي حال، ولماذا «الزنطرة» اللبنانية القائمة على الاستدانة من أجل شراء الثياب الفاخرة؟

بعد الغداء انتقل المدعوون الى غرفة مجاورة لتذوق السيجار الفاخر واستكمال الحديث حول التقدم الذي أحرزته الدولة المضيفة في مسيرتها نحو المجتمع المثالي. وبدل ان يكون مقعد صاحبنا الى جانب مواطنه، كان هذه المرة قبالته.

وتطلع في حذاء الرجل فظن انه لا يرى جيداً، خصوصاً وأنه يضع نظارتين سميكتين. ففرك زجاجتيهما. فلم يصدق. فنفخ على الزجاجتين ثم فركهما بمنديله، ثم تطلع. لا مجال للشك.

هذا الرجل الذي يعاني من مرض ماركوس يرى أمامه مواطناً مثقوب الحذاءين. وراح، بنظره، يحاول ان يحرز مقاس الرجل. وأدرك أن مقاسهما واحد، لكن كيف يفاتح وزيراً سابقاً بأنه سوف يهديه خمسة أزواج أحذية "فائضة" معه؟ قرر أن يحاول. وقد نجح. مشكوراً.