هل يعقل أن يعيش بمائة دولار؟

TT

أحمد واحد من نصف مليون عامل بنغلاديشي منتشرين في الخليج، شاعت عنهم قصص جرائم مروعة، بعضها صحيح وبعضها من نسج الفلكلور المحلي.

سألته ما المشكلة في جاليتهم.. رد، أي مشكلة؟ لم يدر بعد بحجم الكراهية المتنامية ضدهم في منطقة الخليج، أكثر من بقية جنسيات العمالة الرخيصة المجلوبة من انحاء العالم.

بعيدا عن فلسفة المسـألة سألته عن وضعه الشخصي. قال إن راتبه نحو ألف درهم، اي اكثر قليلا من ثلاثمائة دولار في الشهر. هذا الرقم مسجل في دفاتر الشركة، لكنه عمليا يحصل على اقل من مائة دولار في الشهر، وتصادر الشركة المستقدمة مائتي دولار نظير تأمين فراش للنوم، ووجبتين كل يوم. ولو قرر العودة يائسا، عليه ان يدفع غرامة تخصم من مرتبه اي عمليا يعود مديونا، وبالتالي يبقى رهينة حتى يكمل عمله لسنتين حسب العقد الملزم.

باختصار ان من يحصل فقط على مائة دولار في الشهر يعتبر نفسه مظلوما، وسيجتهد في الحصول على حقوقه!

يحلم الواحد منهم بفرصة السفر للعمل في الخليج من أجل إعالة عائلته. يجاهد من اجل الحصول على فرصة عمل، وأكثرهم يدفع أموالا للسماسرة. وعندما يصل العامل غالبا ما يكون أحد اثنين، إما عاملا محظوظا بعمل وراتب مخيب مسجل ثلاثمائة، تخصم منه الشركة الثلثين، ويتعين عليه ان يعيش الى آخر الشهر بالمائة دولار الباقية، او عاملا تم بيعه الى كفيل لا عمل عنده يسرحه في الشوارع مثل الماعز، بل يلقب بالعامل السائب كالحيوانات، ليبحث عن وظيفة غير شرعية، عليه ان يتدبر امره بما في ذلك السكن والمأكل، وفوق هذا عليه ان يدفع للكفيل بصفة منتظمة، اي انه هو الذي يعيل الكفيل وليس العكس، وإن قصر في واجبه يتم التبليغ عنه كهارب لتلاحقه الشرطة.

صاحبنا احمد، من العمال المحظوظين مقارنة بالفئة الثانية، راتبه نحو ألف درهم، اي اكثر قليلا من ثلاثمائة دولار في الشهر، كما هو مسجل في دفاتر الشركة، الا ان الشركة تصادر مائتي دولار، نظير تأمين السكن والاكل.

لذا ليس صعبا علينا ان نفهم ظاهرة تكاثر الجرائم، وخاصة السرقات بين العمالة الرخيصة. وهنا نسأل الاجهزة الأمنية، التي صارت هدفا للنقد في الصحافة بسبب كثرة الجرائم المنسوبة للعمالة الرخيصة المستوردة، لماذا لا تجعل موقفها واضحا؟ ان المشكلة الخطرة نتيجة المعادلة الخاطئة. تعرف جيدا ان بين ملايين العمال من لا يكفيه معاشه لقوت يومه، او جاء بوعود حالمة ليكتشف الكذبة متأخرا، وبعضهم طبيعي ان يتحولوا الى عصابات منظمة. العامل لم يأت لبناء البلد، ولا للترفيه عن المواطنين، بل لمهمة محددة، من أجل إعالة عائلته. ومائة دولار في الشهر ستدفعه للسرقة، أضف الى أن حماية المجتمع ستكلف الدولة مبالغ طائلة، في الواقع هي اكثر من قيمة تصحيح الوضع المعيشي.

لا أبالغ إن قلت إن جزءا من العمالة غير الماهرة ترف يمكن تقليصه، والمجتمع قادر على التعايش بدونه. لتصحيح الحالة لا مناص من وضع حد ادنى للأجور لا يسمح بتفسيرات ملتوية. ضرورة اولا لتحقيق العدالة للأضعف في المجتمع، وثانيا هي حماية لكل المجتمع من بضع شركات وكفلاء أثروا من تجارة العبيد الجديدة.

[email protected]