فهم لغز الكون.. ومحاولتي فهم لغز أصعب

TT

بدأت على عمق 100 متر في سويسرا، اهم تجربة علمية في العصر الحديث تتويجا لجهود ثلاثة عقود في بناء أضخم نفق من أنابيب المغناطيس في دائرة من 27 كيلومترا، في تقليد ظروف اللحظة الاولى (مدتها تسعة اعشار واحد على تريليون من الثانية) للانفجار العظيم Big Bang ، حيث يسود بين العلماء الاعتقاد انها لحظة خلق الكون قبل 15 مليار عام.

نظرية َّ الانفجار العظيم باصطدام كتلة جزيئات من المادة matter ومضاد المادة او المادة المعاكسة Anti-matter ، افرز في اللحظة الاولى كتلة مضغوطة بحجم قطعة نقد معدنيَّة. انكمشت الكتلة لتنفجر بطاقة بلغت من الكثافة والحرارة ما لا يمكن وصفه أو تخيله، او قياسه، في هذه اللحظة بدا التمدد والتوسع بقرب سرعة الضوء لتتكون النجوم والمجموعات والمجرات وبالتالي تنشأ الحياة كما نعرفها على الأرض.

حسابات العلماء تشير الى ان الكون بأكمله يتكون من اربعة في المائة فقط مادةmatter بينما الـ 96% تشكل الطاقة المظلمةdark energy 73% منها والـ 23% الباقية من المادة المظلمة dark matter.

فهم تركيبة الطاقة المظلمة والمادة المظلمة سيساعد على تفسير التمدد الهائل لانبثاق الكون من تصادم المادة وعكس المادة. ولقرون ساد الاعتقاد أن الذرة هي اصغر ما في الكون، حتى تم اكتشاف مكوناتها الاصغر اي نواة من البروتونات (الايجابية) والنيترونات (المحايدة) تدور حولها الالكترونات (السالبة). وجاء اينشتين بنظريته النسبية وانشطار النواة (وللاسف بادر الانسان بغبائه الغريزي في توظيفها اولا في صنع السلاح المدمر) ليفتح الباب للمزيد.

اقتفاء اثر تكوينات المكونات الاصغر للجزيئات الثلاثة بما تخلفه وراءها من اشعاعات او اثرها في مجال كهرومغناطيسى ادى لاكتشاف جزيئات اصغر مثل الكوارك quark الذي يلحم البروتون مع النيترون، اي صمغ تلاصق النواة، وبقياس مروره في مجال مغنطيسي او اشارات اشعة جاما اكتشف ايضا «معاكس الكوارك» anti-quark . اي ان الذرة نفسها – بعد اكتشاف ان كتلتها mass (والكتلة غير الوزن لان الاخير يعني تأثير الجاذبية على الكتلة) تتكون من 4% فقط من مادة matter .

الذرة مثل الدمية الروسية، كلما فتحت واحدة، وجدت دمية اصغر، وتتوالى اكتشافات الدمى الاصغر كلما فتحت واحدة وهكذا.

الالكترون الدائر حول النواة سلبيا، له ايضا مكوناته الاصغر، فيصبح الالكترون ـ دون العلاقة بالنواة ـ إيجابي الشحنة، وعلى سطحه أجسام أخرى سلبية.

الالكترون ( الايجابي) وابنائه ( السلبين) في مجموعهم شحنة واحدة ( سالبة) من جزئيات اصغر مثل لبتون lepton، وميون muon، وتاؤون tauon، و فيميونز femions. حول النواة، وكل جزيء له نقيضه. عالم الفيزياء البريطاني البروفيسير بيتر هيغز في جامعة ادنبرة قدر وجود البوزون boson وهناك بوزون زد ، وبوزون واو Z boson & W boson.

نظرية هيغز ان البوزون، وهو اصغر من الفيميون، وايضا نقيضه هو اصل الجزئيات والموصل للطاقة وحامل الشحنات بين الجزئيات.

وكاينشتين وبقية فيزيائيي الرياضيات الذين تنبأوا بمكونات الذرة قبل اكتشافها ماديا عن طريق معادلات رياضية، تفترض معادلة هيغز وجود البوزون كتفسير لمضاد المادة او المادة السوداء. اسمى العلماء البوزون «جزئية الالهة» او «جزئية الخلق» معتقدين ان اكتشافه يوما سيساعدهم على تفسير لحظة خلق الكون.

ولقياس البوزون طور العلماء بمشاركة البلدان الصناعية الكبري وبقيمة 10 مليارات فرنك سويسري اضخم ألة بدائرة 27 كليومترا من المغناطيس، وعشرات الالاف من الكمبيوتيرات، وكاميرات كهرومغناطيسة، تقيس اثر مرور او وجود البوزون، وليس البوزون نفسه.

الة «نظام تصادم الجزئيات» او  «المعجل التصادمي الجسيمي» أو «صادم الهدرون الكبير» كلها اجتهادات لترجمة و Large Hadron Collider أواختصارا نسميه (LHC) .

اديرت الـLHC صباح الاربعاء باطلاق تيار من البروتونات بطاقة هائلة لتدور في المجال المغنطيسي للنفق الدائري بسرعة اقل قليلا من سرعة الضوء. تكمل حزمة البروتونات مسافة الـ 27 كليومترا الدائرية 11 الف مرة في الثانية الواحدة.

اطلق العلماء حزمة بروتونات اخرى في الاتجاه المعاكس. ولمدة بضعة اسابيع يتم ضبط التيار الكهرومغناطيسي في المغناطيسات العملاقة حتى يقتنع العلماء بتحكمهم في مسار التيارين.

عندئذ، يوجه العلماء التيارين لصدام البروتونات بطاقة تبلغ 450 غيغا الكترون فولت.

حسب المعادلة الرياضية التي توصل اليها هيغز، يسمح تصادم الجزيئات داخل النظام بكشف البوسون ضمن جزيئات اضافية لم ترصد حتى الآن.

بوسون هيغز هو الحلقة المفقودة في نموذج الجزيئات الثانوية التي تتألف منها المادة حيث يأمل العلماء في تفسير اللغز الذي طالما حيرهم بشأن كيفية تحول المادة، بجزئيها المادة وعكس المادة إلى كتلة، خاصة وان 96% من الكون من غير المادة.

رصد ما يحدث في اللحظة الأولى من تقليد الانفجار العظيم، قد يحمل إجابة على السؤال، الذي طالما حير العلماء: لماذا لم ينتج عن الانفجار العظيم قدر متساو من المادة والمادة المضادة بحيث تنهي بعضها بعضا دون أن تبقي أي مادة تتمدد بطاقة نشأ منها الكون، وبالتالي الانسان؟

او حسب تساؤل عالم الفيزياء الألماني زيغفريد بيتكه: لماذا نحن (كآدميين) موجودون من الأصل؟

اللغز المحير بالنسبة لي هو عدم اهتمام الصحف العربية بأهم حدث علمي ـ خاصة وان مجموعة علماء مضادين لجأوا للقضاء محاولين منع التجربة خشية ان يؤدي تصادم البروتونات لانفجار عظيم وثقوب سوداء تبتلع الأرض والبشرية.

البي بي سي التي خصصت برامج وساعات طويلة لمتابعة لتجربة، استضافت طلاب الفيزياء وتلاميذ مدارس ثانوية يدرسون الفيزياء لمتابعة التجربة من سويسرا عبر اتصالات بالقمر الصناعي، وكانت مشاركة المراهقين والمراهقات واجاباتهم الذكية على التساؤلات ومعادلات حساب سرعة الضوء، مفخرة لمعلميهم ومعلماتهم.

وهو ما يثير اللغز الثاني في رأسي: هل يا ترى تابع معلمو الفيزياء في المدارس العربية، هل تابعوا التجربة، مع تلاميذهم وتلميذاتهم، وشرحوا تفاصيلها، وساعدوا الجيل الجديد في توجيه طاقته الذهنية نحو الحدود الكونية لعلم الفيزياء الحديث؟

ولا اتمنى معرفة الاجابة على اللغز الثاني، فاجابته في حل اللغز الأول وصحف هذه البلدان تولي اهميتها الخبرية لتآمر عضو برلمان مشكوك في سمعته على اغتيال مغنية هربت من أحضانه، ولصراع الفتاوى حول تحريم نقل اعضاء من جسم متبرع لإنسان آخر يعتنق ديانة مخالفة او العكس.